يتفق كثيرون في اليمن على أن انهيار السلطة في البلاد بدأ مع خروج المحتجين من الشباب إلى الساحات مطالبين برحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولكن ضعف تجربتهم التنظيمية والسياسية لم يسمح لهم باستكمال إدارة المسار ما منح الفرصة للأحزاب السياسية لتنزع المبادرة وتسيرها بالمشاركة مع بعض العناصر التي كانت حتى تلك اللحظة مرتبطة عضوياً بنظام الحكم.
إن ما مارسته الأحزاب ومن قفز معهم إلى الساحات من بعض عناصر الحكم كان فعلاً انتهازياً واضحاً لأن النظام حينها كان بلغ مرحلة الشيخوخة وما عاد قادراً على تنشيط خلاياه، فظن هؤلاء أنها الفرصة السانحة للاستيلاء على كامل السلطة والانفراد بها.
وتوالت الأحداث حتى بلغت مداها بمحاولة اغتيال صالح في الحادثة الشهيرة المعروفة بتفجير مسجد دار الرئاسة في يونيو (حزيران) 2011، مما عجل بالتوصل إلى الاتفاق الذي حمل اسم "المبادرة الخليجية" و"آليتها التنفيذية" واللتين تنازل بموجبهما عن موقعه إلى نائبه عبدربه منصور هادي وتم تثبيت هذا الإجراء بالاستفتاء عليه في 20 فبراير (شباط) 2012.
قبل أيام التقيت مصادفة في نيويورك مسؤولاً عربياً تعامل خلال زيارات متكررة إلى اليمن على فترات متقطعة مع الرئيس هادي خلال فترة حكمه من العاصمة صنعاء، وأخبرني أنه على رغم حقيقة إن الأخير لم يتمكن من السيطرة على مفاصل الحكم لأسباب عدة ولكن أخطرها كان أنه بدأ يستمتع بمباهج الرئاسة وامتيازاتها مما دفعه إلى التباطؤ في تنفيذ "المبادرة والآلية"، وتساهلت الأحزاب والعناصر التي انتقلت من مساندة صالح إلى الضفة المقابلة ولم تبذل أي جهد ولا مارست أية ضغوط عليه للوفاء بالتعهدات المنصوص عليها في الوثيقتين لأن هدفها الوحيد كان ضمان التخلص من صالح وظنها الذي خاب أنها قادرة على التحكم بالرئيس الجديد.
وختم المسؤول العربي حديثه معي بأن الرئيس صالح كان هو الآخر يتحين الفرصة للانتقام من خصومه الذين انقلبوا عليه وعلى وجه الخصوص من اتهمهم بتدبير محاولة اغتياله الفاشلة.
ما حدث بعد ذلك معروف وشاركت كل القوى السياسية في وضع البلاد تحت يد جماعة "الحوثي" في 21 سبتمبر (أيلول) 2014 حين خضعت ووقعت على ما عرف بـ"اتفاق الصلح والشراكة الوطنية" الذي شرعن شراكة "الجماعة" في الحكم وهيأوا بذلك إسقاط آخر ورقة توت كانت تغطي بقايا المؤسسات التي انقسم القائمون عليها إلى فريقين بعد بدء الاحتجاجات الشبابية وتوسعت بعد الشقاق بين صالح ورفيق عمره الفريق علي محسن الأحمر.
ثم بلغ الأمر احتجاز الرئيس هادي في منزله ثم هروبه منه إلى عدن ثم مرة أخرى منها إلى صلالة في سلطنة عمان ثم الرياض بالسعودية حيث انتهى به المقام حتى السابع من أبريل (نيسان) 2022 حين تم استبداله بمجلس القيادة الرئاسي في محاولة لخلق وعاء سياسي يجمع القوى العسكرية الفاعلة على الأرض بهدف إطلاق عملية سياسية يشارك فيها الحوثيون لإنهاء الحرب رسمياً والبحث في الملفات الإنسانية العاجلة كمدخل طبيعي لوقف التمزق الذي تعرض له النسيج الاجتماعي بسبب الحرب وعمق الجراح التي خلفتها.
استعيد هذه المرحلة باختصار شديد لأن ما نشاهده اليوم وبالتحديد منذ السابع من أبريل 2022 (ما يقارب 20 شهراً) لا ينبئ بأي تحول في طريقة إدارة مؤسسة الرئاسة التي كان إصلاحها هو الهدف الأهم في مشاورات الرياض، وكانت الشاغل لكل اليمنيين منذ فبراير 2012، وللأسف الشديد فإن الحال لم يتبدل لأن القائمين عليها يقضون أغلب أوقاتهم خارج البلد عدا طارق صالح وسلطان العرادة ورئيس الحكومة الذي ثابر داخل عدن لفترات طويلة على رغم كل الملاحظات الإدارية والسياسية التي علقت بأداء حكومته.
سيبقى التساؤل عالقاً في أذهان كل يمني ولا يجد له أحد جواباً مقنعاً ولاحق الرئيس هادي طيلة فترة حكمه، ما الذي يمنع الرئيس والأعضاء من التواجد في عدن مع الناس داخل ما يطلقون عليه "المناطق المحررة؟".
هذا، في الوقت الذي يلح فيه عدد من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي على إحداث تغيير يشمل رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء، ولكنه اصطدم بمتطلبات تحقيق هذه الرغبة.
والواقع الذي لا ينكره أحد هو أن الحكومة تحتاج إلى إعادة نظر في هيكلها وأسلوب عملها بما يتلاءم مع أوضاع الناس والبلاد والبحث عن كيفية التعامل مع ما يدور في البحر الأحمر بالذات وتأثيراته على الاقتصاد الكلي والجزئي، وكذلك متطلبات وقف الحرب نهائياً، ولكن الذي يدور حقيقة لا يتجاوز ترشيح أسماء عدة للمنصب يمكن السيطرة عليها وإذا ما صدقت التسريبات فلا بد من الاعتراف بضعفها بالنظر إلى هزالة ما قدمت في المراحل السابقة ولا يجمع كل الأسماء المطروحة سوى معيار وحيد هو المناطقية بعيداً من الكفاءة.
لقد بلغ الأمر منسوباً منخفضاً إذ جرى لبعض المرشحين اختبارات تشبه ما يواجه من يرغبون الالتحاق بالوظيفة العامة غافلين عن أن منصب رئيس الحكومة هو سياسي في المقام الأول، ولكن العبث الحاصل في إحداث التغيير أحال الأمر إلى يد مجموعة صغيرة لا تفقه في الشأن السياسي وقفزت من الفراغ إلى وسط المشهد بسبب الخواء السياسي والانشغال في قضايا خاصة وتأسيس الجمعيات الخيرية للاستيلاء على المساعدات الخارجية أو تبييض الأموال.
إن الأمل الكاذب الذي صاحب تفكير الكثيرين ممن ظنوا أن السابع من أبريل هو يوم التحول الإيجابي في إدارة البلاد قد تبدد وأصابتهم خيبة أمل في أشخاص علقوا عليهم الكثير من الطموحات، ولكن المفاجأة هي أنهم تفرغوا لأعمالهم الخاصة والاهتمام بمستقبل أبنائهم مستغلين المواقع التي قفزوا إليها في وسط الظلام.
* نقلا عن موقع إندبندنت عربية