القادم من خارج مناطق سيطرة الحوثيين إلى صنعاء هذه الأيام، سيقف أمام مشهد مأساوي لم يكن أحد يتوقعه، الشوارع تعج بالجوعى الرجال والنساء والأطفال على حد سواء، والبيوت خاوية من الخبز وضروريات الحياة، مؤسسات الدولة تحول موظفوها إلى فئة تبحث عن الصدقة، هذا المشهد أصبح أكثر إيلاماً بعد أن رفعت المنظمات الدولية يدها عن تقديم المساعدات الإنسانية رغم زهدها، إلا أنها كانت بمثابة حلما كبير أمام الجوع وحالة الانهيار المعيشي.
أمام مشهد صنعاء اليوم والجوع يخيم في أمعاء أبناء كل الشمال، يتبادر إلى الذهن تساؤلات في توقيت الجوع وأحلام الحكم والسيطرة على الثروة والسلطة في المخيلة الحوثية تسندها الأسلحة والخبرة الإيرانية، تساؤلات عن ما يمكن أن تقدمه إيران من الخبز والسلام لهؤلاء اليمنيين الذين يقبعون تحت نيرها شمالاً وحصار الثروة جنوباً، ومهاجمة الممرات البحرية غرباً، تساؤلات عن ماذا لو كانت يد إيران مملؤة بالخبز والسلام بدلاً من الإرهاب والحروب لليمنيين، ربما كان المشهد سيختلف تماماً.
إيران ليس بمقدورها أن تمنح السلام، لأن دوافع سيطرتها على المنطقة تقوم على بعث الحروب والفساد والانتهاكات وتقويض النسيج المجتمعي، فالعراق اليوم يغرق في بؤرة فساد هرم السلطة الموالي لإيران، ويعيش جزء من شعبه في فقر مدقع رغم الثروة النفطية المهولة، ولبنان يزاحم الموت والانقسام والانهيار الاقتصادي، فأينما اتجهت في لبنان تجد يد إيران قابضة على معول الهدم، وسوريا البلد الذي أنهك عقداً من الزمن واليوم يحاول أن يتزحزح من تحت المخلب الإيراني، وأما اليمن بشماله المتحل فهو بداية لنهاية التوغل في المنطقة، وهو رأس حربة جديدة في خاصرة السعودية، حيث طهران ترقب مكة والمدينة من أعلى جبل في مران.
هل يمكن لإيران أن تمنح اليمنيين السلام؟؟ نعم تستطيع، لكنها لا ترغب في ذلك، ليس اليمنيون أولوية في استراتيجيتها، إلا بما يجعل من الحوثيين أهمية في تنفيذ الأجندة، فالأهمية تنبع من أهمية ما تنجزه هذه الجماعة التي شذت عن اليمنيين عقائدياً وثقافياً، وما تنجزه الحوثية الإرهابية اليوم في البحر الأحمر يتأطر في الأولوية الإيرانية لمسار أجندتها وصراعها مع الدول الأخرى، غير آبهة بالتداعيات على اليمنيين وحتى على الحوثيين أنفسهم في هذا التوقيت الحرج.
يمكن لإيران أن تمنح اليمنيين السلام بوقف تهريب أسلحتها إلى الحوثية الإرهابية، وإلجام هذه الجماعة عن بسط إرهابها للسيطرة على المجتمع، في مقابل إيران يمكن للدول الإقليمية والغربية أن تمنح اليمنيين السلام أيضاً وذلك بالامتناع عن تقييد القوات المقاتلة ضد الجماعة الحوثية، وأن تدرك الخطر الكبير من بقاء هذه الجماعة واليد الإيرانية مبسوطة لها كل البسط بالسلاح والدعم والتدريب والتأهيل العسكري، وربما يكون درس البحر الأحمر كافياً لأن تدرك هذه الدول الخطر المحدق بمصالحها في باب المندب.