محمد عبدالرحمن
باسم الهوية الإيمانية.. الأطفال إلى الرضاعة من "الفم" الحوثية
تكشف كمية الخطابات التي يلقيها عبدالملك الحوثي في مختلف المناسبات التي أنشأتها جماعته إمعاناً في أدلجة المجتمع والسيطرة عليه، عن ضحالة فكرية وإدراكاً أقل لسيرورة التاريخ والتفاعلات بين الأمم والحضارات، من بينها خطابه الأخير الذي جاء في توقيت الإجازة الصيفية للطلاب من المدارس في مناطق الشمال التي يسيطر عليها، حيث يكرس كل الجهود من أجل استغلال فائض الوقت لدى هؤلاء الطلاب بالدعوة إلى فتح مراكز التدجين والتلقين والتعبئة المدججة بالألغام الفكرية تحت ما يسمى المراكز الصيفية.
في خطابه الأخير وبشعور يداهمه دوماً بأنه يتحدث نيابة عن السماء، يعزز هذا الشعور الهالة الضخمة التي ينسجها من حوله، بالغ كثيراً في الحديث عن الهوية الإيمانية "مصطلح خفيف وناعم ينسجم مع التدين الفطري للمجتمع ولكنه يتعارض مع الأهداف التي يسعى الحوثي لتحقيقها من خلاله"، وهذه المبالغة متكررة في أغلب الخطابات يهدف إلى مخاطبة العقل الباطن لربط كل توجيهاته وتعاليمه أن منبعها الهداية الإلهية والهوية الإيمانية.
أراد أن يضع امام مستمعيه مقارنة بسيطة ليدعم نتائجه المرجوة من الدورات الصيفية لطلاب المدارس، فحاول أن يسلخ المجتمعات الأوروبية والغربية من قيمها وأخلاقها، واعتبرها مجردة من كل القيم جراء عدم اتباعها نهج الرسالة الإلهية أو ما يسميها الهوية الإيمانية، وخوفاً من السير على نهج تلك الدول وتجنب السقوط في وحل الرذيلة كما يدّعي فإن من أولويات المجتمع هو إرسال الأطفال إلى مراكز الدورات الصيفية وهذه النتيجة المرجوة التي يسعى إليها.
ومن أجل أن لا ينصدم من يؤيدونه بالهجمة الناقدة بقوة والتي تحذر من إرسال الأطفال إلى مراكز الحوثي الصيفية، حاول أن يقلل من شأن هذه الأصوات الناقدة، بل واعتبرها في خانة الكفر والنفاق، وهذا طبيعي أن يشن هجوماً مضاداً ضد من يعارض أساليبه وطرقه في تدجين المجتمع، لكن صموده في هذه المواجهة سيكسرها الوعي المتفاقم للمجتمع لخطر هذه الأيديولوجيا التي تسرق الأطفال من أثداء الأمهات لترضعها من فم عبدالملك الحوثي التطرف والجهل والعبودية.
ولأن المراكز الصيفية ذات تأثير على النشء الصاعد فإن من الأهمية أن يلقي الحوثي خطاباً يحرض فيه كافة قياداته ومسؤولي المؤسسات الحكومية في صنعاء ومناطق سيطرته على إنجاح فتح هذه المراكز وتحقيق نتائجها المرجوة في تدجين النشء وتلقينهم الأفكار التي تتناسب مع ثقافة العبودية والخضوع تحت مسمى الهوية الإيمانية وشخصنة الدين والسلطة والحكم في صورة عبدالملك الحوثي، ولذلك تحظى هذه المراكز بالاهتمام البالغ على عكس التعليم العام في المدارس، مما يشكل خطراً كبيراً على مستقبل اليمن والمنطقة برمتها.