يصطف طابور يتلوه بمترين اصطفاف لآخر، ويتسع الميدان لكثير من الفراغ والأصوات التي لا تعرف إلا لوناً واحداً من الغناء في التمجيد والتهليل، طابور معوج يخلو من التناغم والتنوع، تتخلله يافطات لا تُقرأ إلا من خلال فكرة واحدة، إنها حفلة لا تتوقف، تشتعل كل خميس بصوت يطل من الشاشة الساعة الرابعة عصراً، تدجين لصوت الحرب وثقافة الإخضاع والتسليم المطلق، توطين لحالة المراثي والبكائيات التي يمكن للمجتمع أن يدفعها مستقبلاً.
يوم الخميس يكاد يؤسس لحفلة دائمة ومستمرة، لن يتوقف الرقص ولا الاهازيج فيها، ولا خطابات تسحق كل شغف الجماهير لجديد يظهر به أي سياسي أو قائد، خطاب الخميس هو حالة جيدة لمعرفة المستقبل المنظور الذي يمكن أن يكون اعتيادياً وإجبارياً في نفس الوقت لأن يتجرع الناس في بلاد الشمال اليمني أفكارا تهدم بنيان المجتمع وتحطم كل الأحلام في جدار الوهم وارتفاع منسوبه بشكل مطرد مع كل حفلة أسبوعية.
السبعين كساحة لهذه الحفلة، الراقصون يجيدون التفنن في الاصطفاف، الكاميرات تنتقل من صف إلى آخر، تحصي الحاضرين وتدون الغياب في كشف الوجوه، تتناغم مع هذه المساحة من الميدان ما يحشده خطاب الخميس، والموعد الذي حدده الخطاب والدعوة في الحضور متاح للجميع، لأن الموت بحاجة لان يكون الجميع في حالة اصطفاف متناغم.
الخميس هو الخطاب الأجوف والسردية البالية للأحداث، والإحصائيات الوهمية للانكسار الصهيوني وأزماته الداخلية، هو خطاب الدعوة لحضور الحفلة، وتداول بنود الخطاب كمسَلَمات لا تقبل النقاش، وغناء لا بد للجميع أن يكون متوحداً معه روحياً وجسدياً، هو خطاب للسير إلى ساحة الحفلة بأي حال، وسيرى الله مسعى القادمين.
وُجد الخميس من أجل الجمعة، ولولاه لكانت الحفلة في حسرة من الحضور، ولكانت الشاشة منزعجة من السير في أزهار القبور، لا بد ان تكون غزة منبسطة من التجوال في صنعاء، لأن التطابق في الجوع والمجاعة يكاد يكون مكتملاً، بل إن صنعاء أكثر عمقاً في المأساة وأكثر تعايشاً معها، الحفلة وحدها لن تكفي غرور عبدالملك، ولن تخفي الرذائل السياسية المنسدلة في ثوبه الاجتماعي والثقافي، هو يسعى إلى أن يكون في الحفلة وجبة شواء يلتهمها في المستقبل المنظور، تمتزج فيها تلك الأصوات المصطفة في الطابور مع الغناء المُر للأجيال القادمة.