لم تكن صنعاء يوماً بهذا البُعد من قلوب اليمنيين وغريبة عن عيونهم، طوال التاريخ وما دونته الكتب عن صنعاء في زمن الحروب لم تكن كما هي عليه اليوم، موحشة ومقفرة من الحياة الطبيعية رغم ازدحامها بالسكان، إلا أن الحياة فيها لا تغري ولا تبعث على الأمل، هي وحيدة في مبانيها وشوارعها ومآذنها، وحيدة من التنوع والتعايش، لا روح فيها ولا دولة.
غرباء هؤلاء الناس الذين يطوفون بين صنعاء وبقية مناطق سيطرة الكهنوت الحوثي، غرباء من ذواتهم، تتقد في قلوبهم نوستالوجيا تبعث بعض الحياة في تفكيرهم لعل شيئاً ما قادم من الجنوب تطرق الأبواب الموصدة في كل محافظة شمالية، وتخرج من الأجداث حرية وبندقية وصوت هنا الدولة والمساواة، هذا اتساق مع حالة لا واعية تذيب الوجود المكاني للشمال المتبخر في دورات طائفية تنذر بخراب المجتمع لسنوات طويلة قادمة.
بعض الشجن وهذا الحنين يثيران محاولات بعث أسئلة أمام هذا الشاطئ وعند هذه الحجر الفيروزي وقدمي تلكها وتغسلها بماء البحر، ما لذي يمنع هذه القدم من السير نحو صنعاء، لديها البندقية وقوة الحق والإيمان المتقد بوطن المساواة والتعايش المشترك، ما الذي يمنع قدمي وصوت الناس في جبال الشمال ووديانه ومدنه تستوطن كل قطرة دم في جسدي، نداء الاستغاثة والرجاء والأمل!! إنني في حيرة أعرف أنها ستزول أمام هذه التساؤلات وأمام حجر الفيروز.
كل بندقية لها ذراع وذراعي معي، وكل جسم له أقدام وهذه قدمي، وما بيني وبين صنعاء سوى بندقية، وما بيني وبين تلك الاستغاثات الصامتة والعلنية سوى قرار القيادة، كم هو التعب في الميدان ضئيل أمام هذا الاتساع من الأمل في سماء الشمال، لا شيء سيغفر لهذه الأقدام إذا لم تكن مستعدة لخوض معارك نحو صنعاء من أجل أهلنا وبيوتنا ومآذن مساجدنا العتيقة.
حتماً سيفتح باب السير وستكون قدمي بارعة في تجاوز الهضاب والوديان والرصاص، حتماً إن لنا معركة قادمة ولهذا الأمل المتقد في قلوب الناس في كل مناطق الشمال وقت للفرح والانبلاج وسطوع شمس نسجتها كل نساء الشمال تؤازرهن نساء الجنوب النجيبات، حتماً إن لنا موعداً مع العودة وسقوط الكهنوت الحوثي وانزياح الظلمة الإيرانية من سماء بلادنا.. وعداً وعهداً.