نادر الصوفي
قرارات المركزي اليمني تجبر الحوثي توسل أمريكا وتهديد السعودية
ربما يكون المدخل المناسب لنفتتح به الحديث عن تطورات الخميس، (مفاجأة القرارات التي اتخذتها الحكومة الشرعية والبنك المركزي في العاصمة عدن)؛ بالسؤال عن "هل تستجيب السعودية وأمريكا للاستعطاف والتهديد الحوثي وتضغط على مجلس الرئاسة لتجميد الإجراءات التنفيذية للقرارات؟ والأهم هل ستخضع الحكومة الشرعية والرئاسة للضغوط وتتراجع؟".
الجميع أمام اختبار صعب إنما البحث عن إجابة له سيحتاج مراقبة ردود الفعل في اليومين القادمين؛ لهذا سنعود حالياً لموضوعنا الرئيس (مشروعية وضرورة قرارات البنك، ولماذا؟).
عند الساعة الرابعة عصراً، الخميس 30 مايو، كان (الحكواتي عبدالملك الحوثي- كصفة للشخص كثير الكلام وتكرار العبارات ذاتها دون طائل منها)؛ ينهي كلمة ظل خلالها يستجدي ويستعطف أمريكا ويهدد السعودية (كعادته حين يكون مزنوقا وبموقف صعب)، طالباً منهم الضغط على الشرعية بعدم اتخاذ خطوات وترتيبات بخصوص نقل مقرات البنوك التجارية والتي أعلنت عنها قبل 60 يوما كمهلة. ولم تكد تمر دقائق على انتهاء (الحكواتي) حتى جاء الرد مباشرة وأصدر البنك المركزي في عدن القرارات المصيرية والشجاعة.
* من انقسام العملة إلى التهديد بقصف ميناء ومطار المخا:
تأتي تلك القرارات رداً على الجرائم والانتهاكات التي مارستها ميليشيات الحوثي ضد الاقتصاد اليمني خلال 9 أعوام؛ ابتداء من انقسام العملة ومروراً بسرقة حقوق ومرتبات الموظفين، ونهب المال العام وتوظيف موارد الدولة لصالح المجهود الحربي على حساب الوضع المعيشي للمواطنين. والاستحواذ على المساعدات الإنسانية وتحويلها لخدمة عناصرها، وتسببها بتوقيف تدخلات برنامج الغذاء العالمي وحرمان ملايين اليمنيين من المساعدات.
وتستمر شواهد الحرب الاقتصادية التي تشنها هذه الميليشيات، بفرضها ضرائب على حركة التجارة وتنقل السلع من المحافظات المحررة الجنوبية، وكذلك تهديد رؤوس الأموال والتجار والمستوردين والمصدرين من العمل عبر ميناء عدن وإجبارهم على نقل نشاطهم إلى ميناء الحديدة.
والأكثر فداحة حين استهدفت موانئ حضرموت وشبوة ومنعت تصدير النفط والغاز وحرمان الحكومة من الموارد، وتعطيل صرف المرتبات وتحسين الوضع المالي ووقف تدهور العملة.
وصولاً إلى تهديدات قيادات الميليشيات (في الأسابيع السابقة) باستهداف ميناء ومطار المخا (مع العلم أنها قصفت الميناء سابقاً في 11 سبتمبر 2021)، لإبقاء الحصار البري والجوي الذي تفرضه على تعز وتهامة والساحل الغربي.
وكل هذا مجرد غيض من فيض جرائم وانتهاكات الحوثي، والقائمة تطول وستحتاج مدونات لسردها، ولا نريد الغرق في تفاصيل يعلمها كل اليمنيين.
* لماذا القرارات في هذه المرحلة وأين كانت سابقاً:
على الرغم من الفترات الزمنية (منذ 2016) الطويلة لتلك الجرائم الحوثية؛ إلا أن حكومة الشرعية ظلت مقيدة ومكبلة بضغوط سعودية وأمريكية ودولية، تمنعها من ممارسة دورها كسلطة لديها اعتراف دولي، للدفاع عن مصالح المواطنين والرد على الحرب الاقتصادية الحوثية..
كانت تلك الدول تراعي مصالحها قبل حقوق اليمنيين. لكن الحوثي ظل يبتز الشعب اليمني على مدى أعوام الصراع، ومع مرور الوقت لم يعد لدى المجتمع الدولي ما يتذرع به لحماية الميليشيات التي لم تحترم الضغط الذي يمارسونه على الشرعية؛ واستمرت تتخذ خطوات أكثر تصعيدية ضد الاقتصاد اليمني وترفع سقف اشتراطاته.
في الأخير تراجعت كل ذرائع أمريكا والسعودية، ولم يعد بمقدورها ممارسة ضغط جديد.. هذا هو المتغير الحاسم الذي سمح للشرعية استعادة دورها قبل 4 أشهر واستخدام أدواتها وقدراتها القانونية والسياسية والاقتصادية لتمسك بزمام الأمور مجددا وتذهب بكل شجاعة لاستخدام مشروعيتها التي تجلت عصر الخميس، بالقرارات.
عملياً بدأت جدية التحركات والإجراءات التي بادرتها الحكومة الشرعية والبنك المركزي في عدن حين فرضت نظام شبكة الحوالات الموحدة ومنحت البنوك التجارية مهلة الشهرين لنقل فروعها الرئيسية (تجفيف منافذ الفساد والتمويل غير المشروع لميليشيات الحوثي).
استشعر الحوثيون طبيعة التحول في موقف الشرعية والمجتمع الدولي؛ وحاولوا التشويش على الخطوات، وليس هناك أفضل من وسيلة غير توظيف القضية الفلسطينية وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة؛ لابتزاز الداخل والخارج ومنح حربها الاقتصادية على الشرعية غطاء أخلاقيا..
وخلال الأيام السابقة دشنت الميليشيات وأبواقها في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حملات ومناشدات للسعودية وأمريكا، بعدم السماح للحكومة الشرعية اتخاذ القرارات، وحاولت ربطها بأنها (تنفيذاً لأوامر النظام السعودي الذي بدوره ينفذ التوجيهات الأمريكية والبريطانية، الذي بدوره ينفذ أوامر إسرائيل). لكن هذه الورقة أصبحت كرتا محروقا ومكشوفا، فلم يعد مجديا توظيفها ضد اليمنيين ومصالحهم.
عملياً أثارت قرارات البنك المركزي جنون قيادات المليشيات الحوثية، ودفعت بها إلى إرسال تهديدات مباشرة للسعودية قائلة:(الأمريكي يحاول أن يورط السعودية في الضغط على البنوك في صنعاء.. وإذا تورط السعودي خدمة لإسرائيل سيقع في مشكلة كبيرة).
يتضح من مستوى التهديدات أن الحوثي يستخدم أوراقه كلها ضد السعودية لإجبارها على الضغط على حكومة الشرعية لوقف هذه القرارات. مقايضاً مصالح ومصير شعب بأكمله من أجل حسابات ضيقة تتعلق بمصلحتهم كميليشيات ومن خلفهم إيران ونفوذها في المنطقة (وكيل وعصا طيعة).
فهل ستستجيب السعودية وأمريكا لاستجداء وتهديد الحوثي؟