أحمد شوقي أحمد
وهم التفوق الأخلاقي.. الشرف لا يعفيك من الفشل
لو كان تحقيق الغايات والنجاح في الحياة يتم من خلال النزاهة والشرف والقيم الرفيعة وحدها لكان جميع الفاسدين والقتلة واللصوص ملائكة تمشي على الأرض.
ولكان تحقيق الثراء والتفوق والبطولات أموراً يسيرة لا تستحق عناء الاحتيال والمخاطرة والتآمر وارتكاب الجرائم وتعريض النفس للمهالك كحال كل المجرمين.
إن التحدي الحقيقي هو ان تكون رجلاً ذا قيم نبيلة وناجحاً أيضاً في آن..
وكونك نزيهاً وملتزماً وصاحب قيم عظيمة، أمر لا يبرر فشلك بأي حال ولا يعطي صك غفران، لعجزك وتواكلك وتذمرك وتنصلك من تحمل مسؤولياتك تجاه نفسك وعائلتك ووطنك.
إن "وهم التفوق الأخلاقي" كما يصفه ماكس فيبر، في هجومه على ماركس.. هو مرض عضال، استفحل في مجتمعنا حين أصبحت المزايدة الاخلاقية والقيمية أهم حيلة نفسية يدافع بها المرء عن شعوره الحقيقي بالنقص والعجز أمام نجاح الآخرين وتفوقهم.
وتصور أننا متفوقون اخلاقياً وقيمياً على غيرنا من الناس، تبرير لذيذ لفشلنا يخدرنا ويرسم لنا صورة كاذبة عن عبقريتنا وعظمتنا التي كبحتها - وياللأسف - قيمنا وأخلاقنا ومنعتها من الظهور والتحقق.
ولذا، فادعاء تفوقنا القيمي والأخلاقي من أخطر المخدرات التي تغيب شعورنا بذواتنا وبتسرب أعمارنا هدراً مع واستفحال فشلنا وانعدام شعورنا بالمسؤولية تجاه أنفسنا وعاىلاتنا وأصدقائنا ومجتمعنا ووطننا.
إن أولى مبادئ النزاهة أن تكون نزيه العقل والنفس والفكر، فمن غش نفسه أو غيره بفكرة.. أسوأ ممن غش بالبيع والشراء، أو بالنصب والاحتيال بل لعل كلا الأمرين يتكاملان ويتداخلان.
ونزاهة العقل والنفس والفكر تفترض ان تكون مسؤولاً عن نفسك وعن أداء واجباتك تجاه غيرك.. وأولى واجباتك أن تواجه واقعك مهما كان سيئا، فاعترافك بواقعك السيء لا يعني الانصهار فيه، ولا يعني استقالتك منه، أو انفصالك عنه.. كما لا يبرر هروبك وانسحابك وخوفك من مواجهته خلف شعاراتك الرنانة متحصناً بألقاب الشرف والنزاهة في صومعتك المعزولة.
إن الهدف من القيم والأخلاق الكريمة هو انسنة المصالح وتنظيم العلاقات بين الناس، والحد من العنف والصراعات المدمرة وتحقيق التعايش بين البشر، وليس توزيع أوسمة الشرف والنبل والنزاهة على هذا او ذاك، أو منح فلان أو علان امتياز قيمي يتبجح به على غيره من الخلق.
وما الجدوى أن يقال عنك وأنت في صومعتك معزولاً ومنفصلاً أنك أشرف الرجال وأنبلهم،، فيما عاىلتك وأصدقاؤك ومجتمعك يسيرون الى الهاوية، وأنت تراقب محتجاً من بعيد..
بل لعله أشرف لك بألف مرة ان تخطئ وأنت تؤدي واجبك.. من الا تخطئ ابداً وأنت تتخلى عنه.
الحياة ماراثون ملتهب علينا أن نخوضه، ومعركة علينا أن نقاتل فيها بشجاعة مدفوعة بشهوة الانتصار والظفر، وليس بشهوة اقتناء الأوسمة والناشين.