سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

ماكينة الصرّاف الحوثية

منذ 3 ساعات و 27 دقيقة

منذ أن قرر الحوثيون، في 21 سبتمبر 2014، أن اليمن مزرعة خاصة، تحوّل البلد إلى ماكينة صرّاف آلي تعمل على مدار الساعة. لكن صاحب البطاقة واحد، والشعب لا يعرف حتى كلمة المرور. أكثر من 103 مليارات دولار تدفقت إلى جيوبهم خلال عشر سنوات، بمعدل 10.3 مليارات في السنة، أو 28.2 مليونًا كل يوم. كل دقيقة تمر، هناك آلاف الدولارات تتبخر… لكن ليس باتجاه رواتب المعلمين أو الأطباء.

بدأوا من الخزنة الكبرى: البنك المركزي. احتياطي قدره 5 مليارات دولار ذهبت لتمويل الجبهات، ووديعة سعودية بمليارين تبخرت، وأربعمئة مليار ريال من خزائن الحكومة تبعثرت، و5 تريليونات ريال من سندات الخزانة بقيمة 9 مليارات دولار أُحرقت بين القذائف.

حتى أموال المتقاعدين في هيئة الضمان الاجتماعي، أكثر من 24 مليار ريال من ودائع وحسابات واستثمارات العمال، تحولت إلى استثمار في الحرب. أما مخصصات الرعاية الاجتماعية، التي كان يفترض أن تُطعم مليونًا ونصف المليون إنسان، فقد غذّت ماكينة الحرب، بما فيها 435 مليون دولار من السعودية و100 مليون دولار من الولايات المتحدة.

ثم جاءت مرحلة الإتاوات. عشرة مليارات دولار من الجبايات والرسوم غير القانونية تُفرض على كل شيء يتحرك في اليمن. كل تاجر يدفع، من مستورد النفط إلى بائع البطاطا. جمارك بين المدن، ضرائب مضاعفة، ورسوم على كل شيء: من اللافتات إلى الهواء. ومن لم يدفع بحجة “المجهود الحربي”، دفع تحت لافتة “التحسين” أو “التنظيف”، وكأن صنعاء ستتحول إلى جنيف بمجرد تسديد الرسوم.

النفط كان كنزهم الأكبر: 30 مليار دولار في عشر سنوات. احتكار كامل، رفع أسعار، أزمات مصطنعة، ثم بيع البنزين بضعف سعره. نصف لتر في خزان سيارتك، والنصف الآخر في تمويل الطائرات المسيّرة.

الموانئ الثلاثة — الحديدة، الصليف، ورأس عيسى — جلبت لهم 20 مليار دولار. كل سفينة تدفع، كل حاوية تدفع، وحتى البضاعة التي تفسد في الانتظار تدفع رسوم تخزين.

المساعدات الإنسانية، التي جاءت لإنقاذ الجائعين، اختفت في الطريق. 10 مليارات دولار من الغذاء والدواء تحولت إلى السوق السوداء، تُباع بأضعاف سعرها، مع بطاقة مكتوب عليها “إهداء من برنامج الغذاء العالمي”.

الاتصالات تدر عليهم 5 مليارات. الإنترنت بطيء لدرجة أن رسالة واتساب تصل بعد أن تكون صلاحيتها انتهت، لكن الأموال تصلهم أسرع من الضوء.

السجائر أضافت 5 مليارات أخرى. كل نفس دخان يشعل حربًا في مكان آخر. احتكار للاستيراد، ضرائب خانقة، وسيطرة على المصانع.

حتى القضاء دخل في اللعبة. اخترعوا “الحارس القضائي” الذي يضع يده على أملاكك بحكم المحكمة، ثم يبيعها وكأنها إرث من جده. 3 مليارات دولار بهذه الطريقة.

تزوير العملة يبدو مبلغه صغيرًا، 25 مليون دولار، لكنه يكفي لزيادة التضخم، وكأن الأسعار لم تكن كافية لدفع الناس إلى الجنون.

وفي النهاية، اقتحموا القطاع الخاص كما يدخل القط على المطبخ: مصادرة شركات، فرض شراكات إجبارية، غسل أموال، وتحويلات خارجية. شبكة مالية تحولت إلى بنك جريمة دولي، لكن بفروع داخل اليمن فقط.

هذا ليس فسادًا عابرًا، بل مشروع اقتصادي كامل هدفه أن يبقى الحوثي غنيًا واليمنيون فقراء. وإذا كان العالم جادًا في وقف الحرب، فعليه أن يبدأ بإغلاق هذه الصرافات قبل أن يستيقظ اليمن ليجد نفسه شركة خاصة مسجَّلة باسم الحوثي وإخوانه.

من صفحة الكاتب على منصة إكس