بسام الإرياني

بسام الإرياني

تابعنى على

تصاعد حملة القمع الحوثية ضدّ الإعلاميين والمثقفين والأكاديميين في اليمن

منذ ساعتان و 35 دقيقة

تصاعد حملة القمع الحوثية ضدّ الإعلاميين والمثقفين والأكاديميين في اليمن لم يعد مجرد ظاهرة عابرة أو حالات فردية يمكن التغاضي عنها، بل بات سياسة ممنهجة وواسعة النطاق تُدار من غرف مغلقة وتشرف عليها شخصيات نافذة داخل منظومة المليشيا التي لا تؤمن إلا بالصوت الواحد والفكر الواحد والرأي المفروض بالقوة.

فمنذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، لم يتوقف الحوثيون عن ملاحقة كل صوت حر يرفع قلمه أو فكره أو حتى منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد الأوضاع أو يطالب بأبسط حقوقه.

الإعلاميون يُختطفون من منازلهم أو من مقار أعمالهم دون مذكرات قانونية، ويتم إصدار أحكام إعدام بحقهم بعد سنوات من التعذيب النفسي والجسدي لمجرد أنهم مارسوا مهنتهم بنزاهة.

الأكاديميون يتم اعتقالهم من قاعات الجامعات، والأمثلة هناك كثيرة لأساتذة اختفوا دون أثر.

أما المثقفون والكتاب فيتم استدعاؤهم أو اقتيادهم إلى سجون سرية لمجرد تدوينة أو قصيدة أو رأي شخصي لا يعجب المشرف الحوثي في المنطقة.

هذه السجون التي يتفاخر الحوثيون بإنشائها كمرافق “للإصلاح والتأهيل” تحولت إلى مقابر مغلقة لا يُسمع فيها إلا صرخات المعذبين.

فعدد معتقلي الرأي اليوم بالآلاف، ولا يُسمح لأهاليهم بزيارتهم إلا بعد دفع مبالغ مالية باهظة، وإن وصلت القضية للمحكمة فالحكم جاهز سلفاً لأن القاضي لا يحكم بالقانون وإنما بتوجيهات المشرف الحوثي الذي يملي التهمة والعقوبة معاً.

كثير من المعتقلين لم يُعرضوا على أي جهة قضائية منذ سنوات، ومن عُرضوا تعرضوا لمحاكمات صورية لا تتجاوز بضعة دقائق تنتهي بإصدار حكم الإعدام أو السجن المؤبد بتهم ملفقة من نوع “الخيانة” أو “التخابر” أو “إضعاف الروح المعنوية للمجاهدين”.

الأخطر من ذلك أن بعض المعتقلين يتم قتلهم ببطء داخل السجون عبر الحقن بمواد سامة أو مخدرات تؤدي لتلف الأعضاء تدريجياً، أو من خلال التعذيب المفضي إلى الموت دون أن يُعلن عن مصيرهم رسمياً، كما حدث مع العشرات الذين سُلمت جثثهم لأسرهم وعليها آثار الحروق والكدمات بينما تزعم المليشيا أنهم “ماتوا بسكتة قلبية”.

ومع كل هذه الجرائم البشعة التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، يواصل المجتمع الدولي صمته المريب وكأن ما يحدث في اليمن مجرد خلاف سياسي داخلي لا يستحق الإدانة أو التحرك الجاد.

المنظمات الدولية تكتفي بتقارير خجولة لا تتجاوز حدود التوثيق دون أن تصاحبها إجراءات رادعة.

هذا الصمت شجّع الحوثيين على التمادي أكثر، فأصبحوا يتعاملون مع الإدانات الحقوقية كأنها ضوء أخضر للاستمرار طالما لا توجد عقوبات فعلية أو محاكمات دولية تطال قياداتهم.

إن ما يتعرض له الإعلاميون والمثقفون والأكاديميون في اليمن ليس انتهاكاً لحرية التعبير فحسب، بل هو جريمة منظمة ضد العقل والوعي والهوية الإنسانية، ومحاولة متعمدة لإسكات كل من يمكن أن يشكل تهديداً فكرياً أو أخلاقياً لسلطة تقوم على الخرافة والسلاح لا على القانون والعدالة.

ولهذا فإن الوقت قد حان لكي يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته الأخلاقية والقانونية تجاه هذه الجرائم، فالتغاضي عنها بحجة “إعطاء الفرصة للحوار” لم يعد مقبولاً، بل هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة.

يجب تصنيف مليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية عابرة للحدود وفرض عقوبات صارمة على قياداتها، وحظر سفرهم، وتجميد أموالهم، وفتح تحقيقات دولية لمحاسبة كل من تورط في جرائم الاعتقال والتعذيب والإعدام.

فالإفلات من العقاب هو أخطر ما يمكن أن يحدث لشعب يرزح تحت القهر، والعدالة هي السبيل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من الكرامة الإنسانية في هذا البلد المنهك.