د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

تابعنى على

الحوثي استبدل خريطة الطريق الأممية بإسناد غزة.. ماذا بعد

منذ ساعتان و 54 دقيقة

رمت جماعة الحوثي خارطة الطريق الأممية الصادرة في أواخر ديسمبر 2023 خلف ظهرها، وانشغلت بإسناد غزة بديلاً عن السلام في اليمن. وبالفعل نجح الحوثي في استثمار عاطفة اليمنيين تجاه غزة، وجعلهم يتناسون استحقاق السلام في اليمن، وكأن غزة أتتهم راغمة لتنقذهم من التزامات التسوية وتجعلها مؤجلة.

أطال أمد الأزمة في اليمن حصول الحوثي على أسلحة مهربة من الخارج، رغم الحظر الأممي المفروض بموجب القرار 2216 في 14 أبريل 2015. ويعود ذلك إلى امتلاك اليمن شريطًا ساحليًا طويلًا على البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي وخليج عدن، يبلغ طوله نحو 2500 كيلومتر، منها 770 كيلومترًا على الساحل الغربي ونحو 1482 كيلومترًا على الساحل الجنوبي، فيما يبلغ طول الحدود البرية نحو 1601 كيلومتر، ما يجعل مراقبتها بدقة أمرًا بالغ الصعوبة.

استخدمت إيران جزرًا عمانية في محافظة ظفار الحدودية كمخازن أسلحة، كما امتلكت مخازن أخرى في جزر دهلك الإريترية عام 2016. ويعمل تجار السلاح على قدم وساق لإيصال الأسلحة إلى الحوثيين من البرازيل وأميركا اللاتينية، بل وينشطون أيضًا في تهريبها إلى مناطق صراع أخرى مثل الصومال والسودان وأوغندا.

مؤخرًا، تمكنت المقاومة الوطنية اليمنية بقيادة عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح، وبالتعاون مع الاستخبارات الإقليمية والأميركية، من إحباط شحنة ضخمة من الأسلحة الإيرانية كانت متجهة إلى الحوثيين. وتعد هذه أكبر عملية ضبط لأسلحة إيرانية تقليدية متطورة في تاريخهم، إذ بلغت 750 طنًا من الذخائر والمعدات، شملت مئات الصواريخ المتقدمة من نوع كروز، وصواريخ مضادة للسفن والطائرات، ورؤوسًا حربية، وأنظمة توجيه، ومكونات مختلفة، إضافة إلى مئات محركات الطائرات المسيّرة، ومعدات دفاع جوي، ورادارات، وأنظمة اتصالات. ومنذ تشرين الثاني – نوفمبر 2019 وحتى تموز – يوليو 2025، اعترضت المقاومة نحو 16 شحنة متجهة للحوثيين، بينها سبع شحنات أسلحة، وشحنتا مخدرات، وأربع شحنات أسمدة تدخل في صناعة المتفجرات. وكشف التحقيق مع طاقم إحدى السفن، وعددهم سبعة بحارة، أنهم سبق أن هربوا 12 شحنة من إيران للحوثيين، وأنهم يعملون ضمن ثماني مجموعات، كل منها نفذت ما بين ثماني إلى عشر عمليات تهريب.

سبق أن ضبط الأسطول البحري الأميركي في 11 كانون الثاني -يناير 2024 شحنة قبالة الصومال، تسببت في مقتل اثنين من قوات النخبة الأميركية. وأكد متحدث أميركي أن أكثر من مئة زورق تتحرك في المنطقة، ومن المستحيل اعتراضها جميعًا، داعيًا الحلفاء الإقليميين إلى إيجاد بدائل مثل تدريب وتسليح قوات خفر السواحل اليمنية التابعة للحكومة الشرعية، ومساعدة السلطات العمانية على ضبط التهريب البري. كما تستخدم إيران عصابات صومالية لإيصال الأسلحة إلى الحوثيين، مستفيدة من انفلات الأوضاع في الصومال وصعود حركة القراصنة خلال العقود الماضية.

عد اتفاق شرم الشيخ في 9 تشرين الأول – أكتوبر 2025 لوقف إطلاق النار في غزة، يبحث الحوثي عن بديل لإسناد غزة يشغل به اليمنيين، خصوصًا أنه يهرب من استحقاق السلام. وتبقى خارطة الطريق الأممية الصادرة في ديسمبر 2023 بمثابة قنبلة موقوتة، فيما تبدو الهدن الجارية هشة. ومع تجفيف منابع التمويل والتسليح، يجد الحوثي نفسه في دائرة ضيقة تمنح جميع الأطراف، بما فيها القوى اليمنية الأخرى، فرصة لإعادة ترتيب أوراقها السياسية والعسكرية قبل جولة جديدة من التصعيد، خاصة إذا استمر الحوثي في الولاء لإيران أو في استهداف المصالح الإقليمية.

يبدو أن استثمار الحوثي لمأساة غزة قد انتهى، وهناك توقعات بسعيه لإقحام البلاد في صراع جديد، خصوصًا بعدما بدأت حالة من الارتباك والتوجس من المرحلة المقبلة، وسط محاولاته إيجاد مبررات لاستمرار التصعيد العسكري في البحر الأحمر. وقد وصف عبد الملك الحوثي ذلك بجولات إسرائيلية جديدة بعد الاتفاق، ملمحًا إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية قد تستمر، وهو ما فُسّر كتمهيد لمرحلة جديدة من التصعيد، وربما لاستخدام التهدئة في غزة ذريعة لإشعال جبهة أخرى، لتجنب مواجهة الغضب الشعبي المتصاعد في مناطق سيطرته نتيجة تفاقم الأزمة المعيشية وتوقف المساعدات الإنسانية.

دائمًا ما يهرب الحوثي من استحقاقات السلام ويصعّد قبيل أي مشاورات يمنية–يمنية، كما حدث في 29 آذار – مارس 2022، حيث طالب بمفاوضات مباشرة مع السعودية كطرف مقابل، لكن الرياض رفضت ذلك بمنأى عن الحكومة الشرعية.

للأسف، هناك تناغم بين خطاب الحوثي وخطاب بعض المسؤولين الإيرانيين الذين أشاروا إلى أن نهاية الحرب في غزة ستعني نقل التوتر إلى أماكن أخرى مثل اليمن ولبنان والعراق. وبالفعل، يستعد الحوثي لأداء دور جديد في المنطقة نيابة عن إيران، فيما يواصل توظيف الأزمات الخارجية لخدمة بقائه في الداخل، مستغلًا لغة العداء لإسرائيل لتصفية خصومه ووصم أي صوت معارض بالخيانة والعمالة.

* المصدر: صحيفة العرب اللندنية