لم يعد بوسع أحد الموجودين في العاصمة عدن أن يجادل بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم... ناهيك عن المساس بعلمهم.
تلك حقائق أثبتت نفسها في الميدان، وسلم بها الخصوم قبل الحلفاء، لكن المعضلة تكمن في بعض الأقلام "الشقيقة" التي تقع دوما فريسة أكاذيبها.
فكلما انتظم المشهد السياسي العام، وبدأ الجنوبيون يحددون معالم خياراتهم وتحالفاتهم، تداعى بعض المأزومين في الخارج إلى ضخ الأكاذيب لدفع الحراك مجددًا نحو معارك عبثية لا جدوى منها..
وكي لا نغرق جميعا في دوامة الإشاعات والصحافة الصفراء، وجب علينا توضيح الحقائق للرأي العام، سواء تلك المتعلقة "بحادثة العلم"، أو المتعلقة بالوجود العسكري "لقوات طارق" بعدن..
أولا، تفاصيل الحادثة:
ما حدث بالتفصيل، أن المعسكر الذي تتخذه قوات العميد طارق مقرا مؤقتًا لها يحيط به أعلام دولة الجنوب من كل اتجاه، فيما يرفرف علم آخر وسط ساحته، وهنا حدثت القصة.
أجريت اتصالا هاتفيا بأحد القادة العسكريين الجنوبيين الذين يشرفون على حراسة المعسكر، وطلبت منه توضيح الحقيقة، وملابسات الحادث، قال لي في البداية: تخيل أن هاتفي إلى هذه اللحظة يستقبل مكالمات من كل مكان وجميعهم يسألون عن ما حدث.
المصدر قال، إن ما نشر مناف للحقيقة تماما، "وكل ما في الأمر أننا شهدنا يوم الجمعة تخريج دفعة من القوات التي يتم إعدادها وتجهيزها بقيادة العميد طارق، وتحت إشراف ودعم إماراتي، وحينها حاول أحد الضباط الإماراتيين إنزال العلم من السارية، وفور هذه المحاولة احتج الجنود الجنوبيون هناك على إنزال علم بلادهم.
وأضاف المصدر: "وصل الخبر إلى قيادة التحالف العربي، وبدورهم استدعوا الجندي الإماراتي للنظر في الأمر، وبعد لحظات حضرت قيادات عسكرية من التحالف وقدمت اعتذارا رسميا للجنود الجنوبيين، وأخبروهم أن الجندي الإماراتي الذي أنزل العلم وبتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد أحيل للتحقيق".. وهي رسالة رفيعة المستوى وجهتها القيادة الإماراتية لجميع الأطراف الفاعلة لتأكيد التوازنات السياسية التي تدعم استقلالية وأرجحية اللاعب الجنوبي.
تابع مصدرنا العسكري حديثه: "القوة التابعة لطارق رفعت هي العلم وحملته على الأكتاف لحظة تخريج الدفعة، ولم يحدث قط أن أحدهم مس العلم أو تجرأ على إنزاله".
ولمزيد من التأكيد سوف نوافيكم غدًا بالصور التي تثبت صحة هذه الرواية.
ثانيًا، علاقة عيدروس وطارق:
إن الحديث الصاخب عن وجود معسكرات ضخمة لطارق في عدن، يمثل أحد ضروب المكايدة السياسية بغرض إحراج قيادة الانتقالي أمام حاضنتها الشعبية.. والحقيقة هي أن حدود التعاون المشترك بين "مقاتلي الشمال" و"مقاومي الجنوب"، لم تتجاوز القواعد التي رسمها عيدروس الزبيدي في يناير الماضي حينما أعلن دعمه وتأييده للمقاومة الشعبية في الشمال مع رفضه القاطع لأن يكون ذلك مقدمة نحو تأسيس أي تواجد عسكري ثابت لأي قوى شمالية.
وعليه، فإن عدن لا تعدو عن كونها "ترانزيت مرحلي" للقوات الشمالية التي تنوي محاربة الحوثي، في حين أن وجودها العسكري الثابت سيكون في إحدى مديريات الساحل الغربي، كما أكدت لنا مصادر متقاطعة، حيث يغادر العشرات منهم يوميًا إلى هناك بعد أن يتم تجميعهم بالعاصمة عدن، وذلك بالإضافة إلى ما سيفتح من جبهات عسكرية بالشمال، ترفض مصادرنا المطلعة حتى الآن، الإفصاح عنها.
وبعيداً عن العلاقة الجدلية بين طارق وعيدروس، فإن دعم الانتقالي لمقاومة الشمال يعبر عن توجه استراتيجي هو أكبر من حدود التحالف التكتيكي بين الطرفين، والدليل على ذلك تواجد الزبيدي في جبهة مريس وتوجيهه مقاومة الضالع بضرورة دعمها، وذلك رغم ما يطغى على هذه الجبهة من سمة سياسية مقلقة، غير أن محددات ضمان الأمن الجنوبي تقتضي مواجهة الحوثي أولاً والإصلاح ثانياً، وفي إطار هذه الأولوية يحاول عيدروس الزبيدي رسم خططه الميدانية ونسج تحالفاته السياسية.
أخيراً رسالتي إلى زميلي الذي تبنى، مؤخراً، خطاباً تصالحيا بين جميع اليمنيين، جنوبيين وشماليين: تذكر أن عدن فتحت أبوابها تدريجياً لجميع المدنيين الشمالين لاسيما بعد معارك صنعاء في ديسمبر المنصرم، وطرحك غير المسؤول هذا إنما يقود لردود أفعال متشنجة سيكون هؤلاء هم أول ضحاياها.. أما عشرات العسكريين التابعين لطارق فيحميهم التحالف الذي يحمي عبدربه وبن دغر. وغريمهم الحوثي وعلي محسن مش الحراك ولا الجنوب.
*رئيس تحرير موقع البعد الرابع