حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

حزب المؤتمر وسؤال المصير

Sunday 08 April 2018 الساعة 04:47 pm

يرتبط سؤال المصير الخاص بحزب المؤتمر بسؤال المصير الخاص باليمن الموحد. 
هذا الارتباط المؤكد يجد ما يسنده في حقيقة أن أكثر ما يتباهى به المؤتمريون الملتزمون هو أن حزبهم لم يكن فرعا يمنيا من حالة أيديولوجية منقولة من الخارج. 
هذا صحيح، فالمؤتمر ليس نسخة محلية من منظومة سياسية إقليمية أو دولية، وليس صدى لحركة ثورية عابرة للحدود تنتج في طريقها سلسلة من النسخ التابعة التي تتحطم بتحطم النموذج الأصلي في المركز.

المؤتمر تنظيم سياسي يمني وأيديولوجيته هي أيديولوجية الدولة اليمنية في صورتها التي كانت عليها قبل 2011. مسألة استمرار المؤتمر مرهونة حصرا بما يمكن أن يحدث لليمن وفي اليمن. 
فهو، نظريا، تأسس على فكرة وبرنامج التيارات والحركات الوطنية اليمنية الكلاسيكية. على مستوى الوثائق والخطاب، المؤتمر يُمجّد كل المُثل الوطنية العليا والأهداف الكبرى المشتركة الموجودة في معظم تصورات وأطروحات وأحلام الوطنيين على مدى أكثر من نصف قرن: وحدة الكيان اليمني، النظام الجمهوري، الاستقلال والسيادة، الحرية، التنمية والتحديث، الديمقراطية، العدالة، والمواطنة.

المؤتمر نشأ في ثمانينات القرن الماضي بفعل رعاية من الدولة لكي يكون نقطة تقاطع والتقاء بين التيارات والفصائل والحركات السياسية الفاعلة جميعًا. لقد كانت ولادته حاصل عمليات تاريخية متلاحقة من التجريب والتهجين والتقريب والدمج بين عدد من المعتقدات والرؤى والنظريات المتنافرة.

يقول صموئيل هنتنجتون إن "من الثابت تاريخيا أن التنظيمات الحزبية القوية كانت تنشأ إما بفعل ثورة من الأسفل أو بفعل رعاية من الأعلى. وتجربة القرن التاسع عشر في انكلترا وفي الولايات المتحدة هي بمثابة درس مطول في كيفية استخدام الرساميل والدوائر الحكومية لإيجاد تنظيم حزبي".
ويضيف: "أتاتورك استخدم موارد الحكومة التركية لدعم وتطوير حزب الشعب الجمهوري، وعلى نحو مماثل استفاد الحزب الثوري المكسيكي بعد انشائه من فساد الحكم ورعايته، حدث ذلك في كوريا وفي البرازيل وفي الهند، وغيرها".

حزب المؤتمر هو الشكل الوطني المتبقي من بين جميع الأشكال والروابط السياسية والاجتماعية التي تحققت فيها ومن خلالها فكرة اليمن الجمهوري الموحد، تلك الفكرة التي ظلت إلى قبل 1990 مجرد طموحات نظرية وآمال ودعوات حماسية تبشيرية ينادي بها الوطنيون من شتى الاتجاهات.
بالنسبة لبقية الأشكال والكيانات والصيغ والركائز الدولتية (القوات المسلحة ومؤسسة القضاء والمؤسسة التشريعية والأجهزة الإدارية مثلا) أو التجارب الحزبية، فكثير منها أصابه الانهيار في الأعوام الأخيرة أو تلاشى نهائيا أو في طريقه إلى التلاشي.

أما بالنسبة لمسودة دستور ما يسمى "اليمن الاتحادي"، فلو كانت الفكرة واقعية وعملية لرأيناها متحققة، على نحو أو آخر، في وعي وسلوك وخطاب معتنقيها المزعومين، ولرأيناها متجلية في واحد أو أكثر من تشكيلاتهم على الأقل، ولرأينا تأثيرها جليا في صياغة وتحديد علاقاتهم، (مع علمنا أن المشروع لم يكن قد أحيل بعد إلى الاستفتاء، إلا أنه إجمالا لا يزال فكرة ضبابية تجريدية محرومة تماما من أي قوة سياسية على الأرض تحمله، وتسترشد به، وتحقق شروطه، وتعبر عنه، وتنشر الوعي به، وتكافح في سبيله).

يمكن، ببساطة، ملاحظة الهشاشة وحالة التمزق والانحلال التي تعتري الجسد اليمني، دولة ومجتمعا، منعكسة في بنيان حزب المؤتمر على شكل تعدد أصوات وانقسام قيادي بين ضفتي الصراع، وفقدان لتلك الدرجة المعقولة من الاتساق التي ظل صالح يحافظ عليها بحكم رمزيته كمؤسس وكشخصية حيوية جذابة.
صالح لم يكن شخصا فحسب أو مجرد رئيس سابق، بل هو فكرة، وأسلوب، وتجربة تاريخية تأسيسية، وميراث سياسي. كان يمثل مساحة مشتركة تلتقي فيها وتتفاعل خلالها مجموعة معقدة من التصورات السياسية والسرديات التاريخية والرؤى الوطنية والعواطف والأهواء والمصالح والخلفيات والمنابت.
المؤتمر ليس مجرد حزب، بل هو مصهر كبير كانت تأتلف في إطاره شبكة واسعة من الانتماءات الصغيرة والتكوينات الاجتماعية الأصلية والنزعات والخصوصيات الأهلية.
الخلاصة هي أنه من بقاء الكيان الوطني اليمني موحدا ومترابطا إنما يستمد حزب المؤتمر أسباب ومقومات استمراره، حتى وإن اضطر لإجراء بعض التغييرات الهيكلية لمواكبة الظروف والمعطيات الجديدة، وأن يعكس ذلك على صعيد المعنى والشكل والبناء الداخلي والتفاصيل والتكتيك.
والعكس أيضًا صحيح، فبقاء حزب المؤتمر عامل لا غنى عنه من عوامل نجاح أي محالة حقيقية تهدف إلى إحياء تجربة الدولة الوطنية الموحدة التي أخذت تتداعى وتتفسخ بمعاول التطييف والنزعات المحلية والعصبيات بأنواعها والتدخلات الخارجية.