يقال إن العمل السياسي المحترف لايأتي بغير المعرفة، لكن عندما نريد ممارسة السياسة بغير معرفة فإننا بلا شك سنقع في الأخطاء وسنديرها على طريقة (شختك بختك) أو بأسلوب فوضوي كمن يمارس حرياته بالتعبير من خلال قطع الطريق.
لقد أصبح شائعاً في بلادنا أن يعلن البعض انتماءه إلى حزب ما لتجده اليوم الثاني ينصب نفسه ناطقاً باسم الحزب وراسماً لخططه وبرامجه الحزبية، ويدافع باستماتة عن الحزب (س أو ص) كما لو كان هو المؤسس له.
كما أصبح مألوفاً أن يعلن صبي صغير انضمامه إلى تيار إسلامي أو جماعة مسلحة تحمل الدين شعاراً، وما إن يأتي موعد الصلاة إلاْ وكان أول الواصلين، لينهال بعد ذلك بعبارات الازدراء لكل من دخل المسجد بعده أو يخالفه معتقده وفكره.. ولا يتوقف الأمر عند هذا فقط بل تجده في المجالس والباصات والأسواق يقسم الجنة والنار بين الناس، ويا ويل من خالفه برأي.
هكذا نحن اليمنيين "ذوي الإيمان والحكمة" نمارس السياسة بجهل وإمعان في التعصب، وهكذا نفهم السياسة على أنها مجرد انتماء، ولسنا وحدنا من يفهم الأمور على هذا النحو، بل إن الغالبية العظمى من قيادات والمحسوبين من مثقفي الأحزاب التي انتهجت ما يسمى بالخط "الثوري" لاتتعدى ثقافتها أن تكون «ثقافة فضائيات» موجهة أو «ثقافة حقد وانتقامات» والبعض الآخر يمتلك رصيداً كبيراً من ثقافة المماحكات والتدليس والهرطقة، وقلما تتعداها إلى تصفح تنويري ولو بسيط.. ولاغرابة إن سمعنا في هذه الفترة تنوعاً في الاستهدافات والمماحكات والتهوين والتخوين من قبل بعض رواد هذه المجالات والثقافات في الأحزاب المنتفعة، التي تخدر أتباعها وتجعل منهم أضحوكة بتعدد مواقفهم وتقلبها، وهذا ديدن الأحزاب الدينية والأحزاب المنتهية صلاحيتها.! تحت مبرر ومفهوم الموقف تغير "طبعاً موقف الانتفاع والفائدة"، الغريب في الأمر أنه لم يعد هناك من مثقفين أو أتباع يكترث لمعرفة تجارب الشعوب والمآلات التي آلت إليها بعد أن دعت تلك الأحزاب الناس إلى التمرد على السلطة، وروجوا حينها بأنها غير شرعية، حتى لو أن العالم كله شهد لها بعكس ذلك، فقط لأن مصالحهم لا تتفق مع تلك السلطة، وما إن وجدوا سلطة تخدم توجهاتهم الحزبية ومصالحهم الشخصية حتى قاموا بتغيير كل المفاهيم وبرروا كل شيء، وها هم اليوم ما زالوا مستمرين في ذات الخطأ وحرب الإعلام والتوجيه لافتعال مشاكل ومعارك وهمية وتهويل مواقف لا تخدم سوى من يريد باليمن شرا وبشعبه السوء..
كنا في الماضي نسمع عن مناضلين يقدمون رؤوسهم أولاً لسيوف الملوك ومقاصل قوات الاحتلال.. مناضلين يبيتون في «الشعاب، والجروف والوديان » شهوراً و أياما.. وينامون وأسرهم جوعى، ويغفون بعين واحدة.. لذلك كانت السياسة «مقدسة»، وكان رجل السياسة إنساناً عظيماً بين أبناء قومه.. أما اليوم فالسياسيون "الفلتة" سياسو الفنادق والتبعية والأهواء والفيس بوك، ساسة المزاجية "رجل في طرف والأخرى في طرف آخر" متقلبون يخرجون لنا كل يوم بصورة وكل فترة بموقف وكل شهر بشكل حسب الدفع وسعر الصرف ولا غرابة من ذلك خصوصا وأن السياسة فقدت أخلاقياتها..
السياسيون والأحزاب الانتهازية التي يعرفها الجميع في اليمن لم يعودوا يقدمون رؤوسهم أولاً، فثمة فقراء ومساكين وشباب مراهقون وأتباع جهلة أو ممن أعماهم الحقد والتطرف يدفعونهم إلى الشوارع والمحارق، بالإضافة لوجود أقلام يأمرونها بمهاجمة هذا الطرف أو ذاك والإسهاب في الكتابة عن النوايا كما حدث مؤخراً من زوبعتهم حول "العميد طارق" أو "سقطرى" وقبله عن "الزبيدي" وبن بريك.. و.. و.. الخ من الأشخاص والكيانات التي لا تمضي وفق أهواء الجماعات الحزبية الانتهازية وتختلف معها في أمور عدة، يتأجج الوضع ويزداد التمزق والهوان بينما القادة الانتهازيون يكتفون فقط بمراقبة المشهد الذي أزموه ومتابعة إلى أين وصلت حملاتهم المشبوهة عبر صحفهم وناشطيهم وقناة الجزيرة.
اليوم هناك تجار خطابات وشعارات سياسية، وانتهازيون يدعون نفاقاً دفاعهم عن الوطن والمواطن رغم أنهم السبب الأول في وصول اليمن وشعبه إلى ما وصل إليه، وهم من برر كل ما يعتمل في اليمن، وهم ذاتهم من صفق وهلل وكبر لإدخال اليمن تحت البند السابع، الذي جعل اليمن أرضاً مشاعة لمن يدفع أكثر وبقرار دولي، ومازالوا يساومون على معاناة شعب بأكمله ويقبضون الثمن.
بعد 7 سنوات من بلوغ تلك الأحزاب ذروتها الفوضوية والانتهازية يتوجب عليهم أن يسألوا أنفسهم: ماذا استفاد الشعب منهم ومن مشاريعهم وأزمتهم؟ حتماً سيخرجون بإجابة واحدة هي: أزمات سياسية، حرب، عودة للإمامة ووصول الكهنوتيين الحوثيين للسلطة عبر أنهار من الدم ومسلسل مستمر من الخراب، بالإضافة لدعوات انفصالية، وفتاوى تكفير واغتيالات على إثرها، وفتن مذهبية، ثم أخيراً إحياء الخطاب المذهبي العرقي مجدداً.. أتمنى من كل قلبي أن أجد يمنياً يرد على من يدعوه إلى افتعال المشاكل وخلق الصراعات والأحقاد بالقول: «كفانا كذباً وتدليسا.. أنتم باعة للوطن ومتاجرون بمأساة المواطن»! فمن الجنون أن يجازف أحدنا بحياته ومستقبل أبنائه من أجل أن يركب أحد الانتهازيين الموجة ويرتفع رصيده البنكي ويعيش وأبنائه في رفاهية وبذخ.. ونحن الثمن!!