(حتى وإن صادروا أرزاقنا ومرتباتنا... لكنهم لن يفرضوا علينا دينهم الجديد)..
هكذا علقت سيدة عجوز على قرار دار الإفتاء الذي تسيطر عليه مليشيا الحوثي أثناء احتدام النقاش بين مجموعة من المارة قرب نفق ميدان التحرير بالعاصمة صنعاء، في مشهد يختصر مدى الإدراك والرفض الشعبي لأهداف المليشيا الحوثية التي تسعى لفرض عقيدتها المذهبية على الناس بالقوة.
وتكمن مشكلة الفتوى الحوثية المثيرة أنها تعمدت، عن سبق إصرار وترصد، أن تتجاوز حتى قرار اللجنة المكلفة بمتابعة رؤية هلال رمضان في الحديدة والتي جزمت في قرارها بتعذر رؤيته وأخرت إعلان موقفها حتى الساعة التاسعة بعد أن أضافت على قرار لجنة الأهلة بدعة فتوى ليس لها من داع إلا أنها كشفت الوجه الخفي للمليشيا التي تحاول تطويع مؤسسات الدولة لصالح نشر أفكارها وعقائدها التي تخصها كجماعة ولا علاقة لها بالناس وعقائدهم ومذاهبهم، فقد كان بإمكان مليشيا الحوثي أن تصدر تعميما لأتباعها بان يصوموا يوم الأربعاء أو الخميس أو حتى الجمعة ولن يعارضهم أحد، لكن تعمد تحويل مؤسسة كدار الإفتاء يفترض فيها الحيادية إلى منبر يفرضون من خلاله أفكارهم ومعتقداتهم على الناس فهو أمر يستحيل أن يتمكنوا منه مهما كانت سطوتهم وسيطرتهم.
وعلى خلاف الساسة والإعلاميين والناشطين الذين سخروا من بيان دار الإفتاء الخاصة لسيطرة مليشيا الحوثي بشأن شهر رمضان، فإن موقف الناس البسطاء الرافض لتوجهات المليشيا الحوثية يتم التعبير عنه بطرق مختلفة وإن كان بصمت، ومثلما لجأ الكثيرون إلى مقاطعة المساجد التي يردد فيها شعار الموت الحوثي قابل سكان العاصمة صنعاء فتواهم المثيرة بشأن رمضان برفض عارم تجلى في إصرار الناس على ممارسة الحياة بشكل صاخب يوم الأربعاء في مختلف شوارع صنعاء التي اختلف فيها المشهد تماما يوم الخميس وكأنه رد فعل متعمد يقول للمليشيا الحوثية (لن يفرضوا علينا دينهم الجديد) كما اختصرته تلك السيدة العجوز.
هل كان بإمكان عناصر المليشيا الحوثية المجاهرة بصيام يوم الأربعاء وسط شوارع العاصمة صنعاء استنادا إلى الفتوى المثيرة.. قطعا لا، فرغم أنهم صاموا لكنهم اضطروا وخوفا من موقف الرفض الشعبي إلى إخفاء صيامهم، وهو ما يؤكد أنهم حتى وهم يسيطرون على الدولة ومؤسساتها ويمارسون السلطة ويزعمون بأنهم يمثلون الشعب، إلا أنهم في قرارة أنفسهم لا يزالون مقتنعين أنهم مجرد جماعة منبوذة مهما اضطر الناس للسكوت عنهم أو مجاراتهم خوفا من بطشهم.
الفتوى الحوثية المثيرة للسخرية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مسار الحقائق التي تتكشف كل يوم للناس عن ما تخفيه هذه المليشيا من مشروع لا يكتفي بتقديس شعار الموت والتلذذ بقتلهم، ونهب أرزاقهم، وانتهاك حقوقهم، ومصادرة حرياتهم، وتدمير حاضرهم ومستقبلهم، بل ويسعى لتبديل دينهم ومذاهبهم ما يجعل منه مشروعا يستحيل بقاؤه أو فرضه على الآخرين، ذلك أن مشروع مليشيا الحوثي مشروع ماض، ومشاريع الماضي لا يمكنها أن تحكم المستقبل مهما كان.