عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

العبث بالسلام

Sunday 03 June 2018 الساعة 03:02 pm

العبث بالسلام على طريقة العبث بالربيع العربي.. هو الخطر المحدق الآن.. فكما كانت الأنظمة السابقة أفضل من حالات التشظي والصراعات المعقدة والانفلات وفقدان السيطرة الذي وصلنا إليه، خصوصا باليمن وليبيا وسوريا.. نتيجة الضغوطات الدولية لإسقاط الأنظمة السابقة لصالح جماعات دينية.. فإن الضغوطات اليوم من أجل السلام لن تكون إلا عبثا بالسلام وستقودنا إلى مخاطر أكبر بحيث لربما يكون استمرار توازن الصراع هو الأفضل.

لست متشائما، ولا أطلق حكما جزافا ومبالغا.. وإنما هنالك مؤشرات متشابهة بين نتائج وملامح العبث بثورات الربيع العربي.. بحيث أدى هذا العبث بالظغوطات والتدخلات الدولية إلى قلب الربيع العربي بتحريف قيمه، من قيم وطنية واخلاقية أصيلة إلى مجرد مزايدات وتزويرات ومبالغات.. كان الخطأ الأول الذي قاد إلى سلسلة متكاملة من الأخطاء والتعقيدات هو استباق المراحل للتبلور الشبابي الفكري والسياسي وبدايات انتفاضاته.. فحين كان التبلور الشبابي يعبر عن فكر مدني راقٍ ووطني أصيل.. وأدوات وطرق سلمية وتفكير موضوعي يتجاوز الأزمة الثقافية والسياسية الحاصلة، ويختلف جذريا مع فكر الجماعات الدينية ولاسيما السياسية منها.. فهو مندفع للمستقبل ليترك هذه الجماعات والايديولوجيات الأخرى على هامش الحياة.. لاتتدخل بتشكيل ملاح المستقبل الذي أبدى الشباب وحده مهارة صنع أفق المستقبل وخلق أدوات ووسائل جديدة ومبدعة في التعامل مع الواقع وتعقيداته.

فلم تترك الفرصة للشباب لمواصلة نضاله وفق طرقه وأدواته هو، وان يواصل مسار تبلوراته وبدايته ويواجه التحديات الطبيعية أمامه ويتعامل معها بأسلوبه.
فلم تفد التحركات والضغوطات الدولية المستعجلة والمشبوهة إلا لإنقاذ وتقوية الجماعات الدينية التي كانت وصلت إلى حالة إفلاس حقيقي وايقنت بنهايتها.. فتم الجعل منها ممثلا عن هذه الثورات، وتم تجهيزها بعجالة، رغم حالة التناقض الكاملة بين فكر هذه الجماعات وملاح الثورات الشبابية.. فتم صنع رموز واعضاء من هذه الجماعات كابطال وطنيين وثوريين ..وبالتالي فإن النتيجة كانت حالة الانهيار وتعقيد الصراعات اكثر وحالات الانفلات والفوضى التي وصلناها خصوصا باليمن وليبيا وسوريا التي فقدت هذه الدولة مؤسسات وطنية تتدخل لايقاف حالات الانهيار والعبث الدولي عبر أجندة لها وجماعات أثبتت فشلها بمصر وتونس.. فتصدت لها مؤسسات وطنية أنقذت هذين البلدين وحافظت عليهما من الانهيار.
وحين انتهت الموضة والمزايدات الثورجية، فإنه اليوم يتم العبث بالسلام على هذه الطريقة.. فالسلام الذي يأتي بحالة ظغوطات وتحركات مستعجلة لن يكون سلاما..
والسلام الذي يأتي لانقاذ الجماعات الدينية وإعادة بنائها لن يكون سلاما..
والسلام الذي يأتي في إعادة قوى اثبتت فشلها لن يكون سلاما..
نحتاج اليوم الى سلام جذري وشامل للحياة التي اصبحت مزوعة فيها الألغام والمتفجرات بكل نواحيها..
نحتاج اليوم الى سلام نلغي فيه مخاطر الجماعات الدينية وعلاقاتها وارتباطاتها الدولية ونقتلع هذه المخاطر من الجذور .. وإلا فلن يكون سلاما.
نحتاج اليوم سلاما بطريقة هادئة ومدروسة وخطوات واضحة وموثوقة.. وفترة انتقالية كافية لمعالجة الاختلالات الجوهوية واعادة الوطن والبيئة ليكونا صالحين للحياة والسلام.
ولا ولن نحتاج العبث بالسلام كما عبث بأشيائنا من قبل.
نملك ذاكرة وتجربة وتطلعا رغم كل شيء ولن نكرر انخداعنا.
سلق السلام على طريقة سلق الثورات لن ينطلي علينا هذه المرة.. إعادة الجماعات الدينية وإنقاذها وتقديمها كأنها قامت ببطولات وليس بجرائم.
لن يكون الأمر بصالح أحد ولابصالح الوطن ولن نصل إلى سلام حقيقي، وإنما العبث بالسلام بسلام شكلي سينتج حروبا أشد وتعقيدات أصعب.