عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

الإرهاب والفلسفة والسياسة

Wednesday 06 June 2018 الساعة 09:21 pm

كأمة عربية وإسلامية فإننا تقدمنا وصنعنا تاريخا وحضارة؛حين كانت السياسة تقوم على الفلسفة كركيزها في فكرها ورؤيتها، وكإنجاز واهتمام وتطوير للفلسفة بالانفتاح على تراث الأمم ومعارفها، حتى أصبحنا أرقى أمة سياسيا وحضاريا، سيطرنا سياسيا ، وأنتجت الأمة العربية من أعظم الفلاسفة الذين لازالوا إلى اليوم مبهرين أوروبا وفلاسفتها.. ومشاركين في صنع الحضارة الغربية الحديثة.
وكذلك فإن نحن تخلفنا حين حاربنا الفلسفة والفلاسفة، وانحازت السياسة إلى صف الطرف الآخر المعادي للفلسفة ، كانت تظن السياسة في البداية أنها تختار الطريق السهل، الفقهاء ورجال الدين لا يكلفون السياسة والأمراء جهدا ولا نقدا ولا مواقف أخلاقية، بل إن كثيراً من الفقهاء ورجال الدين مستعدون تقديم الخدمات للسلطة بتدجين الناس والتبرير لكل شيء يخالف الدين والأخلاق والمنطق، فالرجال الدين والفقهاء حتى الصادقين منهم لديهم الكثير من الحيل والالتفاف على الحقائق والنصوص (يلوون ألسنتهم لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون).. يحمل رجال الدين دائماً خلافات وعداوات فكرية وطائفية على مستويات مختلفة، فالانقسامات حتى داخل الصف والاتجاه الواحد، وبالتالي يصبح التقرب للسياسة هدف كل منهم ليحظى بقوة لمحاربة الآخر والاستقواء عليه ، وفي خضم تفاصيل صراعاتهم وعدواتهم ، تضيع القيم كلها ، ويفرغ الدين من كل قيمه الحقيقية ، ويصبح ليس إلا تقليدا ومواقف عدائية وعلاقات مشبوهة ومصالح مع السياسة.

فلاسفتنا وعلماؤنا العظام كابن رشد والفارابي وابن سينا والكندي ، قالوا بأن الفلسفة هي امتثال لقول الله تعالى "أفلا يعقلون" "أفلا يبصرون" "لأولي الألباب" "لقوم يعقلون" "لقوم يتذكرون".
وكان أيضا ابن رشد أعظم الفلاسفة وصاحب الرؤية العلمية والفلسفية الأكثر عمقا وابداعا ، فقيها.. كما كان ابن سيناء صوفيا، ولكن كل هذا لم يشفع لهم من الحرب الدينية الشرسة التي شُنت ضدهم وضد الفلسفة ، فانتصر الطرف الآخر لتدخل الأمة مراحلها المظلمة من الجهل والخرافة والتعصب والتطرف ، وولد هذا الفكر الديني المتطرف الذي حارب الفلسفة والذي اتخذ أول خطوة للتطرف والتخلف وباركتها السياسة، ولّد العديد من الجماعات الدينية والطائفية التي وجدت آباءها على هذا وهي على آثرهم مهتدية ، وإن أي مراجعات هي بنظر هؤلاء هدم للدين وخروج عنه ، وظلت هذه الجماعات باختلافاتها تحمل افكار التطرف والارهاب ، ولكن الفارق هو بأن بعضها تحملها كأفكار تقليدية وميتية ، وهذا هو شأن الجماعات الدينية غير السياسية ، بينما جماعات الاسلام السياسي قامت على أساس نفخ الروح وإعادة الحياة لهذه الأفكار الارهابية والمتطرفة ، وشحن العاطفة الدينية وقداسة الدين وعظمته بأحقاد وأمراض تأريخيه تزعم بأن العودة اليها هو الحل وليس مراجعتها ، فأنتجت خطابا دينيا سياسيا يروج لهذا بحماسة زائدة ، وغيرة مزيفة وتدين مغشوش ، لكنه وقع بهذا الفخ العديد من المتحمسين والمتدينين كابرياء منخدعين بتغليف هذا الخطاب والفكر بقداسة الدين ، فبنت هذه الجماعات قواعدها واتباعها وعلاقاتها السياسية المشبوهة العابرة للحدود ، وكانت ومازالت اجندة لسياسات دولية واطماع واحقاد مختلفة تريد أن تنال من الأمة العربية ، عبر هذه الجماعات.

إعادة الاعتبار للعقل الفلسفي والانتصار للفلسفة بحد ذاتها .. هو الحل أمامنا لمواجهة كل قوى الإرهاب والتطرف باختلافها واختلاف وسائلها وأدواتها.. وأن تتبنى السياسة العربية القومية توجها رسميا استراتيجيا لهذا.. فهو الذي ينبغي كأمر ملح لانتصار الأمة على ما تواجه من التحديات والمخاطر.