"كما كنتُ خادماً للشعب، سأظل إن كتب الله لي الحياة".. بهذه العبارة تحدث الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، في خطاب سجله قبيل استشهاده بوقت قصير، على يد مليشيا الغدر والخيانة الحوثية، خطاب الوداع تحت القصف والغدر السلالي، خطاب أبكى القلوب وأوجعها، خاتمة قيل من أقيال اليمن، وعظيم من عظماء تاريخ اليمن.
صالح.. الرجل القادم من قرية في ضواحي صنعاء، الرجل الممتزج بترابها والمكافح منذ صغره، بحياة من الألم والتحدي، والصبر والحكمة، والإرادة والعزيمة، مزج القدر صفات نوعية لشخصيته وقوتها، لقدرة التحمل التي يمتلكها، خطيبٌ مُفوَّه، وزعيمٌ تتجاوز كاريزمته كل الحدود.. ذو نظرة حادَّة تعطي انطباعاً بالعزة والكرامة والكبرياء.. اكتسب احترام الجميع ومحبتهم؛ المؤيدين وحتى المعارضين، باعتباره تولَّى حكم اليمن فى فترة هي الأصعب فى تاريخها، ونجح في نفض غبار الرتابة والاغتيالات وخلق مناخ حر وديمقراطي، واتخذ قرارات سياسية مصيرية غيَّرت وجه اليمن للأفضل، أبرزها استخراج النفط والتعددية الحزبية والحرية وبالتعاون مع رجال اليمن كان له دور عظيم في إعادة تحقيق الوحدة والحفاظ عليها.
لم يكن ذلك العنصري أو الحاقد المعقد الذي يعكس معاناته على الآخرين، بل كانت معاناته دافعه القوي لتغيير الواقع المؤلم، وكانت تلك المعاناة هي السر الذي يدفعه لبذل كل ما يستطيع في سبيل الشعب، فكان القريب من الشعب، العفوي في تعامله، ولذا صنع حالة نادرة من الحب بين القائد وشعبه، بالأمس بكى الناس وهم يسمعونه، واليوم لم أكد أجلس في مكان إلا والكل يتحدث عنه، تتسابق دموعهم مع دعائهم، الكل يترحم بحرقة على قائد فقده الجميع يبكون بحرقة وألم الخسارة التي خلفها الشهيد صالح، الذي رحل عنا شهيداً شجاعا بطلاً في وقت كان اليمن في أشد الحاجة إليه والى حكمته وبصيرته، لقد فقد اليمن شخصية قيادية بحق وحقيقة.
رحل الرجل الحكيم مودعاً شعبه، مدافعاً عن نفسه وثوابت وطنية عليا وقيّم ثورية سبتمبرية أكتوبرية خالدة، رحل الصالح الذي خَبِّر كيف يتعامل مع جميع الناس وكيف يستطيع أن يقنعهم ويكسب ودهم بكل هدوء، الزعيم الذي كان يخاطب العقول والقلوب، لقد كان يتحدث عن مشاكل ومعاناة الشعب الحقيقية، في زمن انعدمت به شخصيات يمنية تستطيع أن تخرج اليمن من الورطة التي ورطته جماعة الحوثي بعنجهيتها، وعمالتها، وتنفيذها لمخطط الفرس البغيض.
صالح، الإنسان أولاً، الفارس الشجاع والقيادي المحنك، الذي لم يفجر في الخصومة ولم يحمل طائفة او عرق مآلات الأوضاع الأخيرة، رغم أن غالبية تلك السلالة تمقته وتحقد عليه وتآمرت ضده وقتلته، لكنه كان عظيماً معترفاً للطيب بطيبته، وكان نداؤه للشعب بالثورة لأجل حريته، ونظامه الجمهوري، ووحدته، لاستعادة السلام والتعايش السلمي.
الرئيس الراحل الشهيد علي عبدالله صالح، محبوب الشعب، يتحدث الناس عنه غير مؤمنين برحيله، غير وجه العيد اليوم، شعلة غضب في صدور العامة، أي حماقة ارتكبها الحوثي بقتل حبيب الشعب، إنها لغة الانتقام من كل ما هو جمهوري خالص، الرغبة في السيطرة والتفرد بغية الإجرام والسادية، لقد كتب اليمنيون نهاية مشروع السلالة البغيضة ووضع الشهيد صالح معالم طريق الخلاص بالفداء والتضحية والشجاعة والإقدام، رحمك الله يا زعيم الشهداء، والصبر والعون والسداد لشعب أحببته فأحبك رغم خذلانه لك، الوداع يا أنبل من حكم اليمن.