جلال محمد

جلال محمد

العلم والانضباط يبني الأمم

Monday 25 June 2018 الساعة 05:38 pm

مع إشراقة كل يوم جديد، تنطلق الملايين من السواعد لتبني وتعمر، وتتفتح ملايين الأفكار لتبهر العالم بكل ماهو جديد، وعصري، يتواكب مع مقتضيات العصر وسباق التقدم والرقي الذي تنشده الأمم المحبة للحياة والسلام، المبنية على العلم والتنوير، والحرية والمساواة، وبهذا تقدمت وكان لنا نماذج كثيرة نتعظ منها ونتعلم إن أردنا البقاء والمنافسة أو الوصول لما وصلوا له.

لقد سخر العالم الغربي جهوده وطاقات شبابه في البناء و التقدم، كل ذلك بحرصهم الشديد على التعليم، و هذا ما نفتقده في مجتمعاتنا وأنظمتنا العربية التي لم تهتم بالتعليم الحقيقي وبناء الإنسان بالشكل المطلوب الذي يتواكب مع العصر ومتطلباته، لقد اخفق العرب في إيجاد بيئة تعليمية وفكرية ثقافية تبعد الشباب من مستنقع الصراعات المتعددة، سواءً الدينية أو المناطقية، الأمر الذي جعل الشباب العربي يدور في ذات الحلقة من الصراعات وذات النمط من التفكير والتعليم التلقيني الذي تلقاه أجداده وآباره من قبله دون أي تطوير معرفي وعلمي، وبهذا ظل حبيس ما حبس به السابقون مبدداً طاقته في ما لا ينفع.

قرأت معلومة عن آيسلندا، ذلك البلد الأوروبي الصغير، الذي لا يتجاوز عدد سكانه 380 ألفا، ذلك البلد البارد، الذي حوله أبناؤه لشعلة من العلم ومنارة للمتعلمين، يقال إن أعظم الأطباء والمهندسين والمخرجين السينمائيين في أوروبا هم الآيسلنديون، ومما شدني أيضاً أن المجتمع الآيسلندي القائم على درجة كبيرة من الانضباط والالتزام العلمي والعملي الذي جعل من نمط حياته مقنناً بالدقيقه ومحسوباً، فمثلاً منتخبهم الوطني لكرة القدم الذي أبهر العالم بأدائه وأحرج الأرجنتين بفوزه عليها، ليس من المحترفين، بل هم مجموعة هواة وخليط من المهندسين والمصورين والأطباء الذين خصصوا جزءاً من وقتهم للتدرب حتى وصلوا لما وصلوا له، بتنظيم دقيق ومزاوجة رائعة بين العمل والهواية، وهكذا يصنع العلم والانضباط نجاحاً في كل شيء.

أفكر في حالنا كعرب أولا ويمنيين ثانياً، لدينا المبدعون والراغبون في الوصول لأفضل المستويات العلمية والعملية وخلق بيئة للتقدم والازدهار، ولكن واقع الحال مغاير تماماً لما نرغب به ونتطلع إليه، فالتعليم في أسوأ مراحله والساسة لا هم لهم إلا تجهيل المجتمع والاستفادة من طاقة شبابه بما يخدم مصالحهم، فها نحن اليوم نشاهد المحارق العبثية التي يُرمى الشباب اليمني فيها، دون وجه حق، فقط لاستمرار الصراعات والحروب العبثية، ومن نجا من الموت جسديا يتم تفخيخه ثقاقياً، بغرس ثقافة مغلوطة وزرع أحقاد طائفية ومناطقية وجهوية كفيلة بنسف الشباب اليمني لأجيال متعاقبة إن استمر الوضع على ما هو عليه.

إن العالم يتقدم كل دقيقة، بسواعد وأفكار شبابه، ونحن نتراجع ألف ميل للوراء، وندفن ألف ساعد وفكر في اليوم. محزن جداً أن يُساق الشباب سوقاً للموت، وهم أحق بالحياة، محزن أن تفتقد اليمن طاقتها الفتية وتستنفدها دون أي فائدة. إن دولاً متقدمة عدة تتمنى لو تمتلك هكذا مخزون بشري، كانت ستقوم بتأهيله وتدريبه وتعليمه ورعايته، وتطلق له عنان التفكير، خصوصا وأن العقل اليمني نظيف ومبدع، مبتكر ومتطلع للأفضل، لو أننا نجد حكومة تستلهم ما قامت به اليابان وألمانيا في بناء الإنسان سنكون أسطورة الزمان ومعجزة العالم التي لن يطالها أحد، ولكن هل تنفع كلمة لو؟!!