حين وصلنا إلى هذه المرحلة البائسة من ضياع وتمزق الوطن ، كان لابد من عودة الوطن من جديد ، وعودة الوطن لن تكون بسهولة ويسر وإنما بانفجار وطني هائل وتجمع الشخصيات والجهود والاسهامات الوطنية، بروح جديدة وطرق وأساليب مختلفة.. ووعي وطني للأخطاء والقصور الذي أوصلنا إلى هذا الضياع والانسداد ، وابتكار أفكار وطرق وأساليب جديدة.. فتشكل الملحمة الوطنية لاستعادة هذا الوطن على أسس قوية من الوعي الوطني والقيم الأخلاقية والمراجعات السياسية، بعيداً عن التناقضات والصراعات الدينية والمتاجرة بمآسي وجراحات الوطن ، وحالة التوازي والتوازن بالصراعات وتقاسم الانتصارات والانهزامات ، ومكاسب الحروب ، وفوائد الصراعات التقليدية.. وجعل الحرب فرصة لترتيب المكاسب الشخصية والفئوية، والمزايدة بالوطنية كادعاء وشعارات فقط ، وعلى الواقع يتم خيانة كل هذا.
نضع تساؤلاً طبيعاً، يطرح نفسه اليوم ، كوننا نعيش حدثا سياسيا مختلفا ، ومعركة وطنية بدأت مختلفة ومتغيرة عن المعارك والحروب السابقة.
فهل ما نشهده الآن في الساحل الغربي يعبر بدقة كاملة أو بشكل نسبي عن حدث جديد وانفجار وطني عظيم لإعادة وعودة الوطن والحياة؟؟!
من خلال التجربة ، نعي بأن الحكم على الأحداث بموضوعية تامة يقتضي الخروج عن التحيزات المبدئية والعواطف والحماسة والمبالغة والاستناد الى الحقائق على الواقع دون تضخيم أو تجاهل.
انحسار الخطاب الديني والطائفي ، والعنصري والكهنوتي، والحسم بالمعركة وتجاوز الضغوطات الدولية بإرادة وطنية وحنكة سياسية، تلاحم الشمال والجنوب واليمن والخليج في هذه المعركة ، والبعد الانساني بالاغاثة وتأمين حياة الناس ، هكذا فتسجيل انتصارات نوعية على مختلف الأبعاد المادية والمعنوية.. تعد ملامحَ لمعركة وطنية مفصلية؟!
فهل من الموضوعية تجاهل هذا؟! أو البحث عن تبريرات واسباب واهية.. تعمل على محاولة التقليل والنيل من كل هذا بدوافع غير وطنية وطرق غير موضوعية؟!
في حقيقة الأمر.. لايمكن لنا تجاهل كل هذه الملامح الوطنية التي تشكلت وتبلورت وتجلت بعضاً من ملامحها.. كما لايمكن لنا بنفس الوقت المبالغة والمزايدة بها وتحميلها فوق ما لاتحمتل.. وبأن طبيعة التطورات والمعارك القادمة هي من ستفصل بالأمر .. فإما أن تتبلور كل هذه الملامح الوطنية والاخلاقية بشكل أكثر جلاء ووضوحا، بنجاحاتها العسكرية والاخلاقية وانتصاراتها للقيم الوطنية والإنسانية، مما يجعلنا نتيقن بكل ما لايدع مجالا للشك، بأننا في ملحمة وطنية حقيقية لاستعادة الوطن واستعادة القيم والأخلاق والعقل.
أو أن تتبخر كل هذه الملاح والقيم والانتصارات التي بدأت بالتشكل والظهور ، فتعود طبيعة الصراع والمعارك الى نفس الطرق والأدوات للمعارك والصراعات السابقة وبنفس الخطابات الدينية والمزايدات والطائفية والعنصرية والمناطقية، والرضوخ للضغوطات الدولية، والأداء السياسي والإعلامي العاجز والفاشل، وتأرجح الانتصارات، وتوقف تحقيق انتصارات نوعية.
نستطيع هنا أن ننتقد هذه المعركة، وننتقد حراس الجمهورية، والقوات المشتركة بكل وضوح تام، وأن نقول بأن البحث عن سلام وإيقاف لهذه المعارك العبثة، هو الحل الوطني والأمثل.. أما حين يثبت بأن العكس هو ما يظهر على الواقع، فإننا سنظل نؤمن بأن هذه ملحمة وطنية عظيمة، لإعادة الوطن، وسنرفض ونقف ضد أي إيقاف لها تحت أي مبررات واهية.