تنمو الشعوب والأمم وتكبر ثم تهرم وتموت، غير أنها تترك آثاراً تدل على عظمتها، وتتجلى تلك العظمة بما تنميه في أبنائها من عبقرية في شتى مناحي الحياة العلمية والفكرية والعملية، في العلوم والأدب والاقتصاد والفلسفة وذلك بعلمائها ومثقفيها ومتنوريها، وبمقدار وقيمة وعمل المبدعين من رجالاتها الذين عملوا، فأعطوا الأمة العطاء الطيب المثمر السخي وبحبهم الكبير للوطن فتكون الأمة عزيزة في مجتمع متعاطف يعمل للخير والحب والسلام...
والشعب اليمني عاش حقباً من تاريخ البعيد والقريب منارة عرف المجد والعزة وذاق أيضاً فيها علقم الذل ومرارة القهر ومآسي الاقتتال والصراع، كما هو حاصل اليوم، بالرغم اننا كنا في غنى عنها وكان يفترض ان النخب السياسية والشعب قد تعلموا من دروس الماضي وتوقف الساسة والجماعات من العمل وفق أجندة الخارج، فالأمم التي توجه توجيها خارجيا لا تبقى فهي مجرد أداة للخارج وتدار وفق عقليته ومصالحها، ولعل ما تمر به بلادنا حاليا هو مخاض عسير للخروج من بوتقة التخندق الأعمى والتطرف للفكر دون القبول بالآخر، ولذا أثق أن اليمن تسير بخطوات ثابتة لتقرر مصيرها المحتوم، وتبقى اليمن الممتد تاريخها منذ أكثر من 6000 عام، شامخة بعروبتها متمسكة بالعزة والكرامة ونهجها الديمقراطي ونظامها الجمهوري الذي سيمسح عنه الغبار الذي حاول البعض إثارته لحرف المسار.
لتعود اليمن لشعبها، ويختار اليمنيون على بصيرة ورشاد حكامهم اختيارا حرا ينبع من إيمانهم العميق أن اختيارهم ذاك يحملّهم جميعا أمانة المسؤولية كاملة وباقتناع لتبقى اليمن أمة عزيزة منيعة وتستعيد قوتها وتنطلق نحو آفاق رحبة من التقدم والازدهار، ويتعاون جميع اليمنيين لنشر روح المحبة والإخاء وإعلاء ثقافتهم المستمدة من عمق تاريخهم السبئي والحميري الأصيل، لتبهر من جديد المشرق والمغرب برونقها وطيبتها ورغبة اهلها في التعايش بسلام..
فهكذا هي اليمن عاشت عزيزة مهابة، لتنشئ مجتمعاً متعلماً متعايشاً يسوده الأمن والأمان وسيادة القانون، فاليمن رأت عهوداً حالكة وعاشت فترات صعبة، أصعب من اليوم لكنها خرجت منها أقوى وأكثر إيماناً لتبني الغد الآتي الكريم. وهذا ما يجب أن يكون... رغم ما هي عليه الآن وبكل أسف وما هي فيه والكل يعلم... العدو قبل الصديق من حالة يرثى لها، فهل تنهض وتستفيق من سباتها وتلفظ من يريد لها السوء، وقتل أبنائها وتقسيمهم واستعبادهم، وهل تتخلص من الموتورين المشدودين للماضي الذين يعيشون في زمن مضى عليه أكثر من ألف عام، أم...؟؟؟؟
لكنني أقول والإيمان يملأ فؤادي أن اليمن السعيد، يمن الحب والخير والسلام بعد هذا المخاض الصعب وكل المحن التي مرت وما زالت، سيمنّ عليها العلي القدير فيقيض لها من أبنائها البررة من ينقذها من المحق والفناء وتعود على مسرح الحياة جميلة قوية عزيزة تعمل لغدها المشرق المجيد بكل ثقة ومحبة مستخلصة من كل ذلك دروسا وعبرا تذكرها الأجيال جيلا بعد جيل مكبرة كل الذي أخذوا المشعل وساروا في الدرب بكل شجاعة واقتدار وحب واخلاص وتفان من أجل عزة وخلود اليمن أمّنا الرؤوم للبناء والإصلاح والوفاق وننطلق نردد مع الشاعر العربي أبي القاسم الشابي ننشد ونقول:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولا بدّ للظلم أن ينجلي
ولا بدّ للقيد أن ينكسر
وفي تحدّ وانطلاق وبإرادة سيقف الشعب اليمني بكل قوة لاستعادة دولته وحفظ نظامه الجمهوري، وتعزيز وحدته ومعالجتة أخطائها المتراكمة، وسينبري الشعب شماله وجنوبه، شرقه وغربه، للعمل الدائب لتبقى اليمن عزيزة منيعة مدى الحياة، ولسان حال الوطن والشعب ينشد قائلاً:
سأعيش رغم الداء والأعداء
كالنسر فوق القمة الشمّاء
أرنو الى الشمس المضيئة...
هازئا
بالسحب والأمطار والأنواء
الى أْن يقول :
لا يعرف الشكوى الذليلة والبكا
وضراعة الأطفال والضعفاء
يعيش جبّارا يحدّق دائما
بالفجر.. بالفجر الجميل النائي...
ولتكن هذه دعوة للتفاؤل، دعوة للخروج عن ما يرسمه لنا الاعداء ويريده لنا أعداء الحياة، بان يجعلوا من حياتنا غما وهما، ويعدموا تفكيرنا في المستقبل الذي نراه جميلا، بجمال تخلصهم من أفكارهم وهرطقاتهم وتخليهم عن أوهامهم، لنعيش المستقبل المنشود والذي نريد أن نصل له جميعاً، وإن أصروا على غيهم، فإن مستقبلنا الذي نحلم به سيكون خالياً منهم، خالياً تماماً دون رأفة أو مهادنة أو تسامح بعشاق الماضي.