تموت الأمم، وتسحق الشعوب، عندما تفقد إرادتها بصنع تاريخها، وتدفع أثماناً باهظة جداً بسبب النظرة العفوية للأحداث التي تُعتمل على الساحة الوطنية، خصوصاً تلك التي تقوم بها جماعات أيديولوجية تستمد مشروعية أفعالها من ماض تتمسك به ونهج قدوة ذلك الماضي الذين يرون أنهم أحق بالاتباع، وهذا كله عكس ما نبه القرآن الكريم والرسول صلوات الله عليه، بضرورة التنبه والحيطة من أجل تجنب الوقوع بأخطاء وقع فيها من كانوا قبلنا، وخاصة ظاهرة تكرار المأساة في حياة الإنسان.
ونحن في اليمن تغافلنا عن الأفعال والجرائم التي ترتكبها جماعة الحوثي، وتعامل البعض بعفوية تامة حين كنا جميعاً ننسب تلك الأفعال لحالات فردية وتصرفات شخصية، متناسين أن هذه الجماعة التي تعشق الماضي تتبع خطوات المؤسس للفكر السلالي الإمام الهادي الذي استباح دم من ثاروا عليه وحلل تدمير منازلهم وحرق مزارعهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر ذكر المؤرخون لسيرته بكل فخر ما ارتكبه بحق أبناء بني الحارث نجران حين ثاروا عليه في 286 قتل عدد منهم وأسر البقية وأمر بتعليق القتلى منكسين في أعالي الشجر، في صورة غاية البشاعة والإرهاب، وهكذا شرع الهادي نهجاً له ولأتباعه من بعده قتل المخالف لهم والتمثيل به، وهدم المنازل وحرق المزارع ونهب القرى والمدن التي يدخلون إليها، كل ذلك ليس وليد اللحظة أو حالة فردية أو تصرفا شخصيا، بل إجرام متبع له أثر تاريخي، ووجود في فكرهم وأدبياتهم ولا يرون فيها حراما، ولم يكتف الهادي ومن تبعه بتدمير منازل الثائرين، بل ذهب لتكفير كل من لا يؤمن بإمامته ويتبع فكره، وكان يطلق عليهم "أمة الكفر" وعلى هذا المنوال سار الحوثي وأتباعه، فكل من لا يتبعه أو يؤمن بتسلطه وكهنوته هو منافق وزنديق كافر حلال دمه وعرضه وماله، وخير دليل على ذلك هو تأمل الواقع وما ترتكبه هذه الجماعة منذ 2004 وحتى اليوم، ومن أوجه التشابه روح الغرور والنرجسية والاستعلائية، فقد كان الهادي يقول لأتباعه "اتبعوني، فوالله ما فقدتم في الرسول إلا شخصه"، وهذا والعياذ بالله كبرياء مطلق وجنون عظمة لا متناهٍ حين يصف نفسه ويساويها بأشرف الخلق رسول الله، وعلى دربه سار المختل عبدالملك ليقول أتباعه إنه ابن النبي، والبعض ذهب لتشبيهه بالنبي وتارة بالإمام علي، كرم الله وجهه.
لقد ظلت هذه الفئة المتمسكة بخرافة الحق الإلهي تنقل ثقافتها وحقدها على اليمنيين جيلاً بعد جيل، بينما نحن نعيش حالة استلاب تهدد وجودنا وتضع حدا لمصيرنا ونكاد نقترب من نهايتنا، وحتى إننا فقدنا الكثير من أرواح أبنائنا بسلاح هذه الفئة السلالية وتآمرهم وعدائهم لنا، وبسذاجة عقولنا.
إن العمى الفكري الذي تعيشه مجتمعاتنا، وفقدان البصر والبصيرة لمثقفينا قد كفى أعداءنا جريمة قتلنا بأيديهم، فتسابقنا معهم بقتل أنفسنا بأيدينا، فكفيناهم جريرة أبشع جريمة بالتاريخ، ألا وهي إبادة شعب يقال عنه أنه سكن دهرا هذه الأرض، وله ثقافته الحميرية والسبئية الأصيلة، ورغم انكشاف زيف الحوثيين وحقدهم وبشاعة السلالة التي التحقت بإجرامهم رغم عقود وسنوات التعايش السلمي وبرغم دنو هزيمة مشروع الحوثي إلا أنني أعتقد أنهم وسلالتهم المؤمنة بهذا الفكر المنحرف لن يتوقفوا من تكرارها ما دام شعبنا لا يعي الماضي ولا يقرأ التاريخ أو يفقه التاريخ، فالذين يضعون بلدهم على كف عفريت هم من لا يعون درس التاريخ جيداً.
إن عرض الجرائم وتوثيقها وتعريف الشعب والأجيال القادمة بها أمر واجب وعمل وطني الغاية منه أن يكون درسا بليغا لكل من يصدق الجماعات الدينية، وأن لا يستخلص منه منهجا وقائيا يقي الأجيال القادمة من مأساة الحروب والتدمير لثرواته.