جلال محمد
العقوبات الأمريكية ورغبة أوروبا في كسر شوكة أردوغان بيد ترامب
تشهد العلاقات التركية الأمريكية المزيد من التوترات والتفاقم على نحوٍ متواصل، على خلفية اعتقال القس الأمريكي ورفض أنقرة إطلاق سراحه وضغطها لمقايضة القس بالمعارض التركي فتح الله غولن المتواجد في أمريكا ويتهمه أردوغان بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشل.
ولا يبدو أن هذه العلاقات ستشهد أي انفراج في المنظور القريب ولاسيما على أرضية العقوبات الأمريكية والحرب الاقتصادية المُوجهة ضد تركيا من قبل الولايات المُتحدة والمُترافقة مع فرض رسوم جمركية على الصادرات التركية من الصلب والالمنيوم للولايات المُتحدة، والتي قادت بالنتيجة إلى إرباكات اقتصادية وتراجع خطير في قيمة الليرة التركية، الأمر الذي جعل أردوغان يدعو الشعب التركي لتحويل مدخراتهم إلى العملة الوطنية لدعمها.
ومن يتتبع العلاقات التركية - الأمريكية سيجد عددا من الأسباب سواءً الهامة أو غير الهامة وغير المُقنعة، التي تنعكس على هذه الأزمة المُتفاقمة بين تركيا ومنظومة الغرب عموماً وتحديداً بين تركيا والولايات المُتحدة..
وهنا يُمكن أن نعدد أسباب وخلفية هذه الأزمة التي بدأت في الظهور التدريجي منذ حوالي عامين على النحو التالي:
- الامتعاض الغربي والأمريكي من التحول الكبير والمُتواصل الذي شهده الدور التركي التآمري والمركزي في الأزمة السورية.. وخروج تركيا التدريجي منذ عام 2016 من محور التآمر الغربي والصهيوني على سوريا بهدف تدميرها وإسقاط نظامها السياسي وتقسيمها إلى كيانات طائفية وعرقية مُتناحرة وإخضاع معظم أراضيها لسيطرة الجماعات التكفيرية والإرهابية المُسلحة.
- بدأت القيادة التركية تشعر بقلق شديد من احتضانها ودعمها للجماعات الإخوانية والتكفيرية المسلحة بما يتعارض مع أهداف المشروع الأمريكي والأوروبي والصهيوني في سوريا، وما جلبه لها هذا الدعم والتسليح من متاعب أمنية لا حصر لها على الصعيد الحدودي والداخل التركي.
- الغضب التركي من تسليح ودعم الولايات المُتحدة وتحالف الغرب للجماعات السورية الكردية المُسلحة في الشمال السوري بهدف إعطاء أكراد سوريا كياناً سياسياً انفصالياً عن الدولة السورية بما يُشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي التركي في ظل وجود ما لا يقل عن 22 مليون مواطن كردي في تركياً.. حيث تزايد بشدة الدعم الأمريكي والغربي للجماعات الكردية السورية مع فشل الجماعات التكفيرية المُسلحة في تحقيق أي انتصارات ميدانية على الجغرافيا السورية.
- رفض تركيا لتعليمات إدارة ترامب بمقاطعة إيران اقتصادياً وتطبيق حزمة العقوبات الاقتصادية الشاملة التي فرضتها الولايات المُتحدة على إيران.. رغم انصياع الغرب الفعلي (وليس المُعلن) لهذه المُقاطعة من خلال انسحاب معظم الشركات الغربية المُستثمرة في إيران وتخليها عن الاستثمار في إيران خوفاً من تطبيق العقوبات الأمريكية عليها بما يُعرضها لخسائر مالية تفوق بكثير حجم استثماراتها الاقتصادية في إيران.
والأسباب عديدة ومتشعبة لا يتسع المجال لذكرها، فالعلاقات التركية، الأمريكية شابها الكثير من حالات الفتور والازدهار، وقد يكون من المُبكر القول إن الأمور قد تصل إلى طلاق سياسي أو استراتيجي بين تركيا ومنظومة الغرب بقيادة الولايات المُتحدة على أرضية العقوبات والحرب الاقتصادية الموجهة من قبل الولايات المُتحدة لاخضاع تركيا.
فالعقوبات الأمريكية برفع الرسوم الجمركية قد تثقل بشدة من كاهل الاقتصاد التركي وتضع المُؤسسات الاقتصادية المحلية التركية بأزمات خطيرة وهي المكبلة بأكثر من أربعين مليار دولار من السندات والقروض المُستحقة للبنوك الغربية بالدولار واليور في عام 2020، ولاسيما مع الانخفاض المُتواصل في قيمة الليرة التركية الذي سيزيد بالتأكيد من أعباء الاقتصاد التركي وتكلفة تسديد هذه الديون المستحقة.. وبالتالي فإن أردوغان سيتردد بالتأكيد من دفع الأمور مع الولايات المُتحدة والغرب إلى حافة القطيعة الشاملة وإمعانه في التمرد على التوجهات السياسية الأمريكية في تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة أو الارتماء التركي بالكامل بأحضان روسيا وهي العدو التقليدي الأول للولايات المتحدة على الصعيدين الإقليمي والعالمي.