عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

26 سبتمبر والتجربة الرئاسية.. حلوها ومرها

Tuesday 04 September 2018 الساعة 11:31 am

في كتابه "اليمن الجمهوري" قال البردوني "إن السلال سياسي لابس عباءة الثورة، بينما القاضي الأرياني ثوري لابس عباءة السياسة"، بالفعل حين نتأمل هذا جيداً، نجد بأن البردوني، رحمه الله، قد أصاب الحقيقة ولخص لنا موضوعاً كبيراً وشائكاً.
في اعتقادي أن التجربة الرئاسية، بل وحتى الثورية، ظلتا جانباً شكلياً وتقليداً، أكثر من كونه جوهرياً وفعلياً، في مرحلتي السلال والأرياني، وبالتالي واجها معارضة وطنية ثورية، وحركات تصحيح أكثر وعياً وعمقاً، أجبرتا الرئيسين على ترك الرئاسة سلمياً ومغادرة الوطن.

مثلت مرحلة الحمديK التجلي الحقيقي لثورة 26سبتمبر، والإبداع الرئاسي والطموح الحداثي والرؤية الوطنية الواضحة والعملية، وهذا ما كان يفقده رئيسان قبله، حيث كان تقليديين برئاستيهما وثوريتيهما وطريقة إدارتهما للدولة، بين التقليد الشكلي للدول الحديثة، والإبقاء على مضمون الطريقة الإمامية، عدا اختلافات بسيطة وسطحية، وهذا ما جعل الحمدي من الناحية العملية يواجه مخاطر صعبة جداً ومعقدة، بسبب تراكمات لانحرافات الثورية في مسار الحركة الوطنية منذ بداياتها ومراحل تطوراتها، قبل نجاحاتها العسكرية وقيام الجمهورية، ورئيسان قبله قد جعل من هذه الأخطاء جزءاً وطنياً وثورياً، مما جعل هذه الأخطاء تبتلع رئيساً عظيماً بحجم الحمدي، برؤيته المثالية، وذكائه ودبلوماسيته، وحب اليمنيين الشديد له.

أيضاً في "اليمن الجمهوري" يشهد البردوني ويؤرخ بأن علي عبدالله صالح، ثوري مخلص نزيه صادق، طيب وبسيط، ابن فلاح تأثر بالأرض وعطائها، وأن صالح بمسيرته جندي سبتمبري تدرج بالسلك العسكري بمهاراته وذكائه الاجتماعي، بحيث ظل دائماً محاطاً بالعلاقات الواسعة وشعبيته المتنامية وجماهيره المتعلقة به، يلخص البردوني الموضوع، فيقول "إن صالح ابن الشعب ومنه وإليه".. بالمقابل يتهم البردوني آخرين من نفس منطقة صالح بأنهم كانوا يتاجرون بين المعسكرين.. أي بين معسكر الجمهوريين والملكيين.

رؤية صالح السياسية وأسلوبه الرئاسي، كان يقوم على فلسفة الواقع، وأخذ الدرس من تجربة الحمدي، بأن الواقع الذي أصبح معقداً ويحوي العديد من النافذين الذين لن يسمحوا بأي رؤية مثالية وتصحيح ثوري حقيقي، وإن أسلوب المسايسة وإدارة التناقضات، والمحافظة على الدولة من الانهيار التام، وفق عدة طرق واقعية، من التحالفات واللعب بالتناقضات.

أتى هادي كصالح في بدايته لا يمتلك رؤية وإنما يمتلك فلسفة عامة، لكن الفرق بأن صالح لربما متهيئ نفسياً بشكل لا بأس به للقيادة والرئاسة، كما عرف عنه الطموح والمغامرات الكبيرة، وقربه من الحمدي الذي أثرى تفكيره السياسي والعسكري والقيادي، وعرف بقربه من الحمدي أهم المشاكل والمخاطر والتحديات التي تواجه الحكم والدولة، ووضع فلسفته الخاصة للتعامل معها، بنفس المنطق الذي جعل من قرب هادي من صالح يكتسب بعض المهارات المحدودة، وذلك لأن هادي أقرب إلى شخصية تنفيذية وإدارية، لم يكن يطمح ولا يتوقع بأن يكون نائب رئيس فعلياً وليس شكلياً، ناهيك من أن يكون رئيساً، وهو الجندي المخلص لرئيسه، فكيف على حين غرة سيصبح رئيساً عليه، لم يكن أحد قادراً على أن يتصور الأمر على محمل الجد، رغم خروج شعبي كبير لانتخاب هادي وحيداً، وأمل الجميع بأن يكون حلاً لأزمة الصراع السياسي والاجتماعي المعقد الذي تطور إلى حرب عسكرية.

ولأن هادي يدرك بأن الفرقاء السياسيين والمتصارعين قد توافقوا عليه كحل لصراعاتهم، فقد حاول بأن يضع فلسفته الرئاسية الخاصة، فكانت "لا ظالم ولا مظلوم لا منتصر ولا مهزوم" ولكن عمق تأزم القضايا الوطنية وتطوراتها في رئاسته، قد جعلت هادي ينقلب سريعاً على فلسفته، ويحاول بأن يلعب بالتناقضات وأساليب التحالفات السياسية والادعاءات الثورية، لكنه لم يكن موفقاً للعب هذا الدور، ولا يمتلك المهارة المطلوبة، لهذا سرعان ما انهزم وسقطت الدولة والوطن.

ليس هادي وفلسفته الرئاسية وحده يتحمل المسؤولية، وإنما كذلك القوى الاجتماعية والسياسية، التي كانت تعمل للانفراد بالسلطة واجتثاث الآخر، واستخدام كل أساليب المكايدات السياسية، ولاسيما تلك القوى التي كانت في أوج غرورها بأنها صاحبة الفضل على الوطن وعلى هادي، فهم من صنع هادي وصنعت الثورة العظيمة التي أتت به، وحاميتهما، بينما كانت مربكة لهادي وعبئاً عليه وعلى الثورات كلها والرؤساء قبله.

نحتاج اليوم تقييماً حقيقياً لمسار سبتمبر، ونقداً علمياً ومراجعات جذرية.. لإحداث وعي وطني حقيقي، وفتح آفاق سياسية جديدة، بأساليب أكثر رقياً وموضوعية، بعيداً عن المزايدات والغرور وإعادة تكرار الأخطاء السابقة.