عندما تأتي إلى دول الشرق الأوسط فإنك تجد الحياة الكريمة مؤجلة دائماً إلى أجل غير مسمى، مؤجلة وفق رتم ديني تجتره كل الجماعات الدينية بمختلف مذاهبها، فوعود الجنة والشهادة، هي البضاعة التي تقدمها جماعات الإسلام السياسي لمنتسبيها، بدلاً عن الحياة الكريمة التي ينبغي أن يعيشها المرء في أرض الله، وفي هذه المدة الزمنية البسيطة فترة حياة الإنسان، الفترة التي يقضيها ألماً وحرباً ودماءً ودمعاً، بسبب ما أنتجته الجماعات الدينية من أفكار متطرفة وما وضعته من عراقيل تنغص الحياة إن لم تفنِها، خصوصا وأن هذه الجماعات المجترة للماضي والتي تعيش على إرث ماضٍ ولى ومنه ينسجون الخرافات ويتعلقون بها، ورغم ذلك تجد بأن حتى التمجيد للماضي ليس إلا مبالغة غبية وشبحاً من أشباح الفكر الذي يجد نفسه في سبات طويل جداً تماماً.
لنأخذ اليمن، على سبيل المثال، على مدى السنوات الماضية حينما كان لنا دولة وشبه نظام، كانت الجماعات الدينية الاخوانية أو الزيدية الحوثية دوماً تدغدغ مشاعر الناس، وتتاجر بالأماني والأحلام البسيطة لمواطن أتعبته الحياة وأرهقته مطالبها، وكلنا نتذكر توهمات تلك الجماعات الدينية وتنظيرات رموزها المعروفة، وكيف كانوا يقسمون الأيمان بأنهم لو وصلوا للحكم لجعلوا البلد يسبح على بحر من النفط والرخاء والتقدم والعدل، واليوم وبعد أن وصلت تيارات الإسلام السياسي بشقيها "الاخواني" ثم "الحوثي" نرى كيف أن اليمن يسبح على بحر من الدماء والخراب، والجوع والإرهاب، والتمذهب، وتمييع الجمهورية، واغتيال القانون.
وها نحن نسمع عن الكفاءات اليمنية ورؤوس المال، وكل من استطاع المغادرة يغادر ليبقى اليمن في فقره وتتسع هوة الجهل والتجهيل، وتستمر الصراعات والفتاوى التكفيرية والتفجيرية والتخريبية، وتستمر الجماعات الدينيه عينها بالتشدق والكذب والبحث عن شماعات جديدة لفشلها، ليستمر بيعها للوهم وتغييبهم لأتباعهم عن الواقع المزري الذي وصلنا له، ولكن إذا استيقظ الشعب من النوم وأتى إلى الواقع فإنه سوف يعرف أن حلمه الجميل الذي رسمته الجماعات الدينية ودغدغت مشاعره به، ما هو إلا واقع تعيس، بل إنه أتعس واقع على المعمورة -حينها سيجد الشعب نفسه في بلد الفقر والدكتاتوريين والكهنوتيين والأغبياء ورجال الدين المعتوهين والفساد والقتل – القائمة طويلة جداً.... وسيدركون أن أعظم منحة منحتها لهم الجماعات الدينية هي عبارة (تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته)، إن الأحلام جميلة خاصة إذا تحققت، ولكن إذا تحولت الأحلام إلى تعويض عن الواقع التعيس فإنها بحاجة ماسة إلى علاج نفسي.
الحقيقة أتعس من الخيال.