مرة أخرى التقى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص باليمن مارتن غريفيث، بناطق جماعة الحوثي عبدالسلام فليته، يوم أمس، في مسقط، وكالعادة قيل إن اللقاء تمحور حول سُبل إحياء عملية السلام في اليمن... ولنا أن نتساءل هل غريفيث يعي مع من يحاول، وهل ما زال يؤمن بأن هذه الجماعة التي ارتهنت للباروت منذ قيامها إلى اليوم ستقبل بالسلام؟! لا أعتقد أن رجلاً مخضرماً ك"مارتن غريفيث" ذي الأصل البريطاني، المعروفين بدهائهم السياسي قد غابت عنه هذه الحقائق، فهو يُدرك بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الجماعة لا تمتلك حق القرار، ويدرك أيضاً أن هذه الجماعة القافزة فوق كل الاعتبارات السياسية والأخلاقية لا يمكن أن تفهم معنى السلام فضلاً عن تحقيقه.
ورغم كل محاولات غريفيث لتجميل وجه الجماعة، والثناء على قيادتها المارقة، وإعراضه عن السواد الأعظم من شعبنا اليمني الرافض لهذه الجماعة الكهنوتية، بل وفي ظل محاولات القوى النافذة عالمياً حماية هذه الجماعة والضغط بشدة لوقف أي عمل من شأنه سحق كبريائهم وعنجهيتهم، إلا أن كل ذلك لم يشفع له، فوجهوا له منذ عشرة أيام صفعة التمنع عن حضور مشاورات جنيف، واختلقوا ألف عذر وعذر، وأرسلوا للعالم أجمع رسالة مفادها أنهم لن يجنحوا للسلام، ولن يناقشوا سُبل التوصل إليه، وأثبتوا أنهم جماعة تنتعش بالحروب، وتستمر في ظل الصراعات، وتضمحل وتموت إن تحقق السلم والسلام، وأكدت الجماعة الحوثية للداخل أيضاً أنها لا تكترث به، ولا يعنيها المتاعب التي صنعتها له، فالسلطة لديها أهم ولا يمكن أن تتنازل عن أمر تراه حقا إلهيا!!
إن السلام الذي ينشده اليمنيون لن تحققه مشاورات أو مراوغات أممية، فهناك أطراف دولية على ما يبدو قد ربطت ملف السلام في اليمن بملفات إقليمية أخرى دون الالتفات لعذابات شعبنا، إضافة أننا في اليمن قد بُلينا بجماعات تقبض لتنفذ ما يريده أعداء اليمن والحياة، وما لم تتوقف هذه الجماعة وغيرها من الارتهان للخارج والعمل كجندي منفذ لأجندة خارجية دون الالتفات للوطن وما يعانيه جراء مشاريعهم ومصالحهم الضيقة فلن يتحقق السلام... ومن المعيب بحق هيئة الأمم المتحدة أن تظل تحاول صنع السلام مع جماعة بعينها وإهمال رأي وتصورات جهات أخرى، فناطق الحوثيين المغترب في مسقط لن يرد على مقترحاتك يا غريفيث بما يلبي تطلعات شعبنا للسلام العادل والشجاع، فرده سيكون وفق ما تقتضيه مصلحة إيران ووفق مزاجية قيادة حزب الله، فهذا المغترب لا يعي أي مستوى وصلت له البلاد والعباد، ولا يهمه أن يعرف، ما دامت الحرب تحقق له ولجماعته المكاسب الجمة والإثراء السريع، وتحقق لأعداء الوطن مبتغاهم في تدمير وتفتيت الدولة وما تبقى من مؤسساتها، وستذهب كل محاولاتك يا غريفيث سُدى، وتصل للنهاية التي وصل له سابقوك، وقد تضطر لعرض نفسك على طبيب نفسي لتتعالج من العقد والمتاعب التي سببتها لك لقاءاتك مع قيادات هذه الجماعة المتناقضة، والتي تمنحك وعوداً وردية تتفاءل على إثرها وتدلي بتصريحاتك ثم يوجهون لك صفعاتهم ويتنصلون عما دار في الغرف المغلقة.... وكل ما أخشاه أن تكون قد أصبت بالبلاهة يا غريفيث، واستمرأت المضي في هذا المنوال من اللقاءات والوعود والانتكاسات، ولربما أن ذلك يقف وراءه سببان: إما إنك تنفذ مخططا ينسجم مع أوكل ما يقوم الحوثيون به، أو أنك تريد الحصول على منافع أكثر من خلال بقائك أطول مدة في موقعك دون إحراز أي تقدم..
أما نحن كيمنيين عرفنا وخبرنا هذه الجماعة الناكثة الكهنوتية، فلنا حوار آخر على امتداد جبهات استعادة جمهوريتنا ودفن العفن السلالي للأبد، وفي الساحل يصنع الأبطال حواراً يفهمه الحوثي، ويكتبون سلاماً دائما لكل شبر يتطهر من رجس الحوثي وفكره المتطرف... ومن الحديدة وصعدة سيأتيك وإياهم النبأ اليقين.