▪يختلف مقياس النجاح والفشل في هذه الحرب باختلاف وتنوّع تعريفاتها.
إذا نظرنا إلى هذه الحرب بحسب تعريف الحوثيين لها في إعلامهم، أي بوصفها حرباً تشنها السعودية كدولة ضد اليمن كدولة، فإن اليمن الذي يقولون إنهم يدافعون عنه هو الطرف المهزوم والمهدوم بالقياس إلى حجم الخسائر والأضرار الطفيفة التي لحقت بالسعودية كدولة حتى الآن على الأقل.
أمّا إذا نظرنا إلى هذه الحرب بالطريقة التي يصورها إعلام التحالف بقيادة السعودية والأطراف اليمنية الموالية له، أي إذا نظرنا إليها كحرب تخوضها السعودية داخل اليمن -وليس ضد اليمن- لتغليب طرف يمني يمثل السلطة الشرعية، المعترف بها، على طرف يمني آخر انقلابي ومعادٍ للسعودية وحليف لإيران، فإن نتائج الحرب، في هذه الحالة، تقاس بطرق مختلفة كل الاختلاف.
السعودية في حربها داخل اليمن لم تحقق أهدافها المعلنة على النحو الذي يرضي آمال وتوقعات من استنجدوا بها واحتموا في كنفها.
فالحوثيون مهزومون، وفقاً لتعريفهم المعلن الرنّان للحرب. بمعنى أن اليمن -التي يدّعون تمثيلها- مهزومة ومستباحة ومقطّعة الأوصال. والتحالف بقيادة السعودية متعثّر وفاشل (حتى هذه اللحظة) بالقياس إلى تعريفه هو للحرب وأهدافها المعلنة.
المؤكد أن التعريفات المعلنة من قبل الحوثيين لا تعدو أن تكون أكثر من ضجيج فارغ يخفي دوافع صغيرة ودنيئة، في حين يعلم الجميع بأن غاية ما يسعون إليه لا علاقة له بالسيادة الوطنية والتحرّر الوطني وإنّما تمكين نظرية حكم طائفية رثّة، ولو على قطعة صغيرة من البلاد.
وأمّا التحالف بقيادة السعودية، فإنه لم يتوقف لحظة عن خيانة أهدافه المعلنة عملياً، إذ راح يسلك منذ البداية مسلكاً متناقضاً لا يؤدي إلّا إلى مستنقع كبير يحتل الحوثيون ركناً صغيراً في شماله.
▪عندما كان الإمام يحيى يحارب ضد الوجود العثماني في شمال اليمن، فإنه كان يفعل ذلك في البداية من موقعه كزعيم ديني لحركة تمرد مسلحة في إطار الإمبراطورية العثمانية. وكانت هزائمه العسكرية لا تظهر على شكل هزائم بل لعله كان يجد فيها دافعا معنويا جديدا لاستمرار التمرد.
لقد كان يحارب للحصول فقط على منطقة حكم ذاتي داخل الامبراطورية.
لكن عندما دخل الإمام يحيى نفسه في الحرب الشهيرة مع السعودية عام 1934 كان قد أصبح حينها "دولة" مستقلة يقف هو على رأسها، وبالتالي كانت هزيمته العسكرية في تلك الحرب لا يمكن تسميتها بغير الهزيمة.
كانت نتيجة حربه مع ابن سعود مخزية ومزعزعة لشرعية نظامه الإمامي.
هذا يشير بدرجة من الوضوح إلى أن حركة التمرد في العادة ترى أن مجرد احتفاظها بموطىء قدم تتحرك فيه بمثابة انتصار حتى لو تم تحجيمها عسكريا، فصورتها في نظر نفسها لا تتأثر بالهزيمة.
الحرب الحالية بقيادة السعودية ضد جماعة الحوثي في اليمن، تتسم بسمات تاريخية معقدة. لكن يمكن مقارنتها -من بعض الوجوه فقط- مع حرب الإمام يحيى قبل "صلح دعان" لانتزاع منطقة حكم ذاتي ضمن الدولة العثمانية، مع الأخذ بالاعتبار الفارق الحاسم بين طبيعة الزمنين، إضافة إلى أن الحوثيين في إعلامهم يميلون إلى تقديمها، ضمنيا، وكأنها نسخة تشبه حرب مملكة يحيى مع مملكة ابن سعود في ثلاثينيات القرن الماضي، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
واقع الحال يقول إنها حرب تخوضها الدولة السعودية وتحالفها كطرف، بينما يوجد في الطرف الآخر حركة تمرد مسلحة يمنية، تحمل سمات طائفية بمعيار هذه الحقبة من التاريخ، وهذه الحركة مرتبطة -سياسيا ولوجستيا وأيديولوجيا- بمحور إقليمي تتزعمه إيران التي يوفر لها الحوثيون منصة عمل داخل مجال نفوذ السعودية وفي نطاقها الأمني الحساس.
لهذا السبب بالذات نرى الحوثيين مقتنعين بأن كل ما أصاب اليمن كدولة وبلاد من دمار وأضرار وتفكك وفواجع، ليس هزيمة لهم، الأمر الذي يفضح تصريحهم بأنهم يقاتلون دفاعا عن دولة تواجه غزواً أجنبياً.
وليس من المجازفة القول بأن السعودية تمثل بالنسبة للحوثيين ما كانت تمثله الامبراطورية العثمانية بالنسبة للإمام يحيى خلال تمرده المسلح في ولاية اليمن، ثم مفاوضاته مع الأتراك والتي انتهت بصلح دعان.
وهذا يعني أن حال الحوثيين مع السعودية، حرباً وسلماً، لا يشبه نمط علاقة الإمام يحيى وحروبه مع بن سعود التي انتهت باتفاقية الطائف، ولا يشبه أي شكل من أشكال العلاقات اليمنية السعودية الرسمية وغير الرسمية في اليمن الجمهوري شمالاً وجنوباً.