الفرق شاسع بين حاكم يبني الإنسان ويمنحه سلاح العلم والمعرفة يتزود به للوصول للمستقبل الذي يتطلع إليه وتحتاجه البلاد من أجل استمرارية عجلة البناء.. وحاكم أو من يُريد أن يحكم وهو لا يملك مشروعاً سوى الموت والفناء.
بالمصادفة وأنا أتنقل بين قنوات التلفاز باحثاً عن مسرحية أو فيلم كوميدي أتصنع الضحك فيه هروباً من واقع مُزرٍ، استوقفني خبران على قناة "سما دبي": الأول لمحمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي وهو يلتقي نُخبة من الشباب الإماراتي، وبعد ذلك يفتتح مهرجاناً دولياً حول المستقبل والثورة الصناعية التي تود دولة الإمارات الوصول إليها. والخبر الآخر لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وهو يلتقي ويكرم شاباً إماراتياً حصل مؤخراً على شهادة الدكتوراة من جامعة "السوربورن بباريس"، وقبل ذلك كنت أُتابع قناة اليمن الفضائية بنُسختيها "الإصلاحية" و"الحوثية" وتقززت مثل كل مرة من كمية الهراء الأجوف، والشحن المذهبي والنزعة الانتقامية التي يبثُها كل طرف.. والمُضحك أنهم جميعاً يدعون أن ما يقومون به هو في سبيل بناء ونماء اليمن أرضاً وإنسانا!! ولعلهم تناسوا أن الأوطان تُبنى بالعلم والتنافس مع الدول في تقنيات العصر الإنتاجية، والتشجيع على الابتكار والحث على التحصيل العلمي والمعرفي، فالأوطان لا تبنيها الزوامل والأناشيد، ولا يرتقي بها قسم الطاعة أو قسم الولاء والبراء.
إن ما تقوم به قيادات الدول الناضجة يصب دوماً في خانة بناء الإنسان وتطوير فكره وتنويره بكل جديد نافع، وليس تكريس الأفكار القديمة والموروث الديني المتطرف.
إن الأوفياء لبلدانهم يسعون للحفاظ على مواطنيهم وليس إرسالهم للموت جماعات وأفرادا، وليس مستغرباً ما شاهدته في قناة "سما دبي" فلولا الاهتمام الكبير الذي توليه القيادات الحكومية في دولة الإمارات بالمواطن الإماراتي وتذليل كل الصعاب أمامه، ما وصلت الإمارات لما وصلت إليه اليوم، ولولا إيمان تلك القيادات بأن الإنسان هو محور النماء وأساس البناء المتين لما حققوا شيئاً من النجاح الذي جعل الإمارات واحدة من بين أفضل دول العالم، والأولى عربياً في مجال التنمية البشرية.
وحينها فكرت فيما نحن نعيشه، وفي وضعنا المُزري الذي وصلنا له، فكم هو مُحزن أن يكون اليمن الذي له تاريخ ضارب في القدم، وحضارة عريقة ينتسب كل العرب إليها، ويكون حاله بهذا البؤس والشقاء، والتنافس المحموم بين أبنائه للفناء، كم يحز في النفس حين ترى قيادات البلدان الأخرى تسخر نفسها وجهدها في سبيل مواطنيها والدفع بهم نحو المستقبل الذي يحلمون به، ونحن مُبتلون بناعقين لا يُجيدون سوى الخطب والهرطقات ولا يمنحوننا إلا الموت، وشعارات الموت، وبيع الوهم، والتردي في الحضيض..
فرق شاسع بين السياسي الوطني الخادم لبلاده، وبين الدعي الفاسد القاتل لأبناء بلده بفكره وتطرفه وإصراره على العيش في زمن يبعد عنا اليوم أكثر من 1350 عاماً.