السلام عليك يا 26 سبتمبر.. يابساط الريح الذي طار باليمنيين من عصور الظلام إلى ضوء العصر ورحاب الزمن ومحافل الحضور، وكنا من قبلك ياصاحب الفخامة الكبير، أمة منسية، وبلاداً بلا راعٍ، وتاريخاً مجهولاً، ومواطنين بلا هوية.. وكان الوقت لايعرفنا، والزمن لا يلتقينا في الطريق، والأمل لايصاحبنا كثيراً، والعالم لايسمع حكاياتنا.. ولكنك جئت بالحكاية وبالزمن وبالوقت المناسب، عندما كانت أعمار أجدادنا حصاداً مريراً، وكان آباؤنا -آنذاك- صغاراً يتشاقرون الحياة من نوافذ مفتوحة للعويل وللغبار، وأصبح كل شيء بوجودك على غير ما كان من قبل ياصاحب الفخامة.
السلام على قلبك الكبير ياسبتمبر العظيم، وعلى يدك المباركة التي امتدت لشعب كان من قبلك تائهاً في الطريق، وكفيفاً يتحسس الخطوات بعكاز، وضريراً يسير بلا سند ولا جاه... وجئت أنت وأصبح لليمن معك حكاية عظيمة ومباهج وإنارة وشوارع وبطاقة شخصية وعمران وطريق ومواعيد وآمال تزهر في كل قلب.
السلام عليك يا تاريخ ميلاد الجمهورية الذي جاء بعد دهر من الغياب في مجاهل الزمن، وكنا من قبلك ياصاحب الفخامة أمة لاتعرف من الحياة غير العكفة والجهل والظلام والسير على التراب بأقدام حافية، وكانت أيام آبائنا وأجدادنا من قبلك صحة بلا أفرح، وأمراضاً بلا عناية، وشطاراً بلا تعليم، ومدناً بلا طريق، وقرى بلا مياه للشرب، وأمة بلا مستقبل.. وكان اسم بلادنا مبهماً بين الدول، ووجوه اليمنيين غشاشاً في عيون الأمم، وكان كل ما حولنا يجهلنا.. وبعد سنوات ثلاث، فقط، من حضورك البهي صار إنسان اليمن غير، وخرج إلى الحياة شعب جديد غير الذي كان بالأمس بلا ملامح وبلا كبير، وفي عهدك أنت لبس العامة ربطات العنق، وتدفق التعليم إلى كل مدينة وقرية، وعرفت العائلة اليمنية متعة السير على الاسفلت، ومتعة الجلوس في الحدائق والمتنزهات، وخرجت المرأة من إطار 4×6 إلى صورة أوسع في فضاء رحب، كما أصبح وجودها في الحياة مهماً، ولم تعد مجرد عورة أو عار يفترض به أن يبقى مخبأ في العتمة، ولم يكن أحد يتوقع أن الشعب الذي كان يركب الحمار أصبح يسأل عن مواعيد إقلاع الطيران، ولم يعد هناك لا سيد ولا عبد ولا عنتر ولاشيبوب.
وفي عهدك أنت ياعهد الضوء، تطور الأدب، وانتعشت الفنون، وكانت دور السينما بصنعاء في العام 1967 مفتوحة للرجال وللنساء، وكانت ثقافة العيب قد اختفت، وكنت أنت لوحدك ترفرف بألوانك الزاهية في طوابير الصباح، وتقف بالمواهب على خشبات المسارح، وتقول للناس كلمات حلوة عن الحب وعن المعرفة وعن التعايش، ومحد دلع اليمنيين واعتنى بهم مثلما فعلت أنت ياسبتمبر الميمون.
وصحيح ياوجه الخير أنني لم أتشرف بمعرفتك وجهاً لوجه، ولكنني أحفظ تفاصيلك كاملة لأنني عرفتك جيداً من أبي وأمي وجدي وهم يحتفلون بك كشيء ملهم وعظيم في حياتهم، وكبرت وأنا أسمع أحاديثهم الجميلة عنك، وكنت أسلم عليك في كل صباح أذهب فيه إلى المدرسة.. وكنت أشوفك كل يوم في تجاعيد وجه جدي العجوز اللي كان يحبك أكثر من أي شيء، وكان كسر راسه إذا أي مخلوق يشتمك أو يقلل من شأنك قدامه، فإنه عندها فقط كان يغضب ويقول لهم بصوته المبحوح: "افدوبكم كلكم على أرجل ستة وعشرين ستمبر".
مات جدي وتعثرت أنت وتلخبطت حياتنا بسبب ما جرى لك وما تكسر من عظامك، وما ذبل من معانيك، وأصبحت ذكراك تجيئ وتروح تماماً مثل ذكرى وفاة عجوز كافح كثيراً في سبيل أن نعيش، ولكن عيال الحرام وعيال السوق باعوك في الطريق بيعة سارق.. وها نحن الآن في ذكراك الـ 56 أمة مسروقة وشعب كسير.