مع كل صباح يوم جديد... تستيقظ "كاثرين" الصغيرة الأمريكية كالعادة على صوت زقزقة العصافير، وصوت أمها الدافئ قائلة "كاثرين.. هيا انهضي.. تجهزي للذهاب للمدرسة، ريثما أجهز لك احتياجاتك". تنطلق بعد ذلك كاثرين بكل نشاط إلى مدرستها، تلتقي زملاءها، يرسمون حلمهم بوطن يتقدم كل ثانية، ويفكرون كيف يبذلون جهودهم لرفعة بلادهم.
في طابور النشاط الصباحي، تستمع كاثرين وزملاؤها للتوجيهات الروتينية: بناء الوطن، حقوق الإنسان، التعايش، الرفعة والتقدم.. تمضي كاثرين ورفاقها إلى "الفصل" وفي إحدى الحصص تناقشهم مدرستهم حول "اليمن"!!
ترفع كاثرين يدها: نعم.. إنه فيلم مرعب شاهدته ذات مرة!!
يرد لويس: لا.. لا، ليس كذلك يا كاثرين.. اليمن كان بلداً وشعباً حـياً.
تصرخ "سارا": بلد ههه، نكتة سمجة يا لويس، وشعب حي!! هراء أحمق، أي شعب خامل هذا يا لويس؟!!
تتدخل المدرسة لتنهي حدة النقاش، وتدعوهم لمتابعة أحد مقاطع اليوتيوب ليتعرفوا على اليمن وشعبه... يظهر في الفيديو "صالح" ذو السبع سنوات، يستيقظ بلهفة ليس لكي يستمع أصوات العصافير، بل لقد أيقظه صوت "أسطوانات الغاز" المتدحرجة في الشارع!!
لا يكاد "صالح" أن ينهض من فراشه، حتى دخلت أمه: "هيا بسرعة هذه 3100 ريال، لا أحد يسبقك، طوبر أول واحد، وإذا ما جاش الغاز في الحارة، بز الدبة بسرعه للحارة الثانية". ينطلق صالح في ماراثون البحث المضني.. خاوي البطن، يتذكر أنه كان يفترض به الذهاب إلى المدرسة وهو في هذا العمر.. ينظر بغبطة للأطفال الذين استطاع أهاليهم تدريسهم.
يتكئ على "اسطوانة الغاز" يغمض عينيه ويبدأ برسم ما يتمناه.. يهمس في نفسه قائلاً "متى يأتي الوقت الذي تنتهي فيه طوابير الغاز، وطوابير الماء، وطوابير البنزين؟! في العام القادم سوف يستلم أبي مرتبه وكما وعدني سوف يسجلني في المدرسة القريبة منا، سوف أنهض أكثر نشاطاً، سأحمل حينها شنطة دفاتري، سأنتظر الطابور بشغف، سوف أنصت لصوت النشيد الوطني، فهو أفضل من صوت دحرجة الأسطوانة اللعينة هذه".
تأثرت كاثرين وبدأت دموعها تنهمر، سألت مدرستها، هل يوجد لهذا الطفل وأمثاله دولة تعمل لأجل مستقبلهم؟!
تصمت الأستاذة، وتطلب منها متابعة المشاهدة.. يستمر حلم "صالح" غداً عندما يستلم والدي مرتبه سوف أتناول وجباتي الكاملة، سأكون قوياً، ستكون ذاكرتي أقوى، سأذهب لأحد الأندية فأنا أحب "كرة القدم"، سألعب كل يوم، فأمي لن تحتاج مني أن أذهب العصر كي أجلب لها الماء من أحد "المساجد".. عندما يستلم والدي مرتبه وتعود الأسعار لوضعها الطبيعي، سوف أغير حذائي هذا، ولن اضطر للبس هذه الملابس المهترئة".
تلفح الشمس وجه صالح، ويقطع حلمه صوت أحد الأطفال المجندين حديثاً، يقول له "هيا انهض نضع أسطوانة المشرف أبو ربله قبل اسطوانتك"، يرفض صالح ذلك، يحاول منع المتهور الصغير، لكن...
سقط صالح، التف الناس حوله، تتعالى الصيحات: بزوه للمستشفى. وصوت آخر: لا.. لا، خلاص الولد انتهى!!
صمتت "كاثرين" وزملاؤها، كل منهم ينظر للآخر، حيرة يا ترى ما الذي جرى؟! همست الأستاذة قائلة "قتل صالح"، ذلك الصبي المسلح قتله... جثمت "سارا" باكية، يا إلهي هل فعلاً هناك من يعامل الطفولة بهذا الشقاء؟!
الأستاذة: "أرجوكم لا تخافوا، إن هذا أمر ألِفَه اليمنيون في ظل سيطرة جماعة تدعي الدين، ومن المضحك أنها تطلق على نفسها "جماعة أنصار الله"، جماعة منتقمة من شعب اليمن الذي يُعد أقدم حضارة في بلاد العرب، يا طلابي الأعزاء إن هذه الجماعة مثال حي للكهنوت الديني والاستبداد السياسي، بل والغباء والتوحش مع بعض، خليط غريب من كل تطرف وحقد.
في بلاد اليمن يا أعزائي، يعاني الشعب اليمني بكل فئاته كباراً وصغارا، رجالاً ونساءً، لا فرق فالكل يعيش في ظل بطش وإرهاب ممنهج تنفذه جماعة عميلة، لا تحترم حقوق الإنسان ولا تعترف بمن لا يواليها.
يتساءل "لويس": كيف تُدير هذه الجماعة تلك البلاد، وهل يعرفون أننا في القرن الواحد والعشرين؟!!
تبتسم الأستاذة: إنهم يديرون تلك البلاد بالنهب والقتل لمن يعترض، يعتبرون أنفسهم عرقا مقدسا، ونسلا شريفا، نهبوا الرواتب وفجروا المنازل، ومازالوا يريدون أن يحكموا تلك البلاد، ويصرون على أن كل ما يقومون به هو لصالح البلاد والشعب هناك!!
تنهض "سارا" وتأخذ القلم وتكتب على السبورة "اليمن المدفونة بيد الحوثيين"، يبكون جميعاً على روح صالح وطفولته. تقرر كاثرين تغيير الجملة وتكتب "اليمن مقبرة الظلاميين"، هكذا أفضل لأجل صالح وحلمه.. يردد لويس يا لبشاعتهم، يقتلون الأطفال ويبيدون شعبهم!!
تقول الأستاذة: وكل يوم يصرخون الموت لأمريكا.
يضحك الجميع ويشيرون إلى اسم "صالح": هذه هي أمريكا الحوثيين.