إنها ليلة الخلاص، كل واحد منهم يُريد الفوز بالشهادة في سبيل من عاش يكتم سرَها، وسِر فكرتها، لأجل من رأها تنمو من "حروف" على الأوراق، حتى أصبحت كياناً وتنظيماً ونسقاً مخططاً بإحكام، لأجل الثورة.
ها هو النقيب عبدالله جزيلان، يُصر على سرعة التنفيذ ودك كل إمامي، السلال يأمر عُكفة الإمامة الذين لا يعلمون أنه أصبح قائد اقتلاع سيدهم، يأمرهم بتموين عربات الأبطال بالسلاح والمؤنة.
البدر مُمسكاً ب"قصبة مداعته" والأمراء والحقراء من حوله، كل يتربص به، فهذه طبيعة الأسر الإمامية في اليمن، اقتتال بيني وصراع مُدمر ليس لهم بل لليمن واليمنيين... فجأة يكُح البدر من مداعته، ويكُح مقلداً له الشامي والوزير، والهادي والمتوكل، وكل حاشيته السلالية المبالغة في التملق، السلالة التي تتبرك به وتقلد كحته ومشيته وظلاميته كما قلدت أباه من قبله.
يُحدث البدر نفسه، هل يا تُرى أخطأت في خطاب التنصيب، لماذا يُردد الناس في صنعاء "الخطبة الخطبة، والجمعة الجمعة"، لا.. لا، نحن لا نُخطئ، نحن الأخيار، نحن نسل لا يُخطئ لأنه الخطيئة ذاتها التي حلت باليمن... يُتمتم بصوت خفيف ابتدأ جدي حكمه بتجويع وقتل أهالي وادعه، ووالدي بدأ حكمه بنهب صنعاء وقتل وسحل المئات بل الآلاف، يا تُرى بماذا أبدأ أنا؟! لابد من بداية تُكرس أخلاقنا، حتماً سأجد وسيلة للبداية وحينها سوف أنتقم من الحسن بن إبراهيم، وكل الأمراء الحاقدين والمعارضين لي، سوف أقتل الف قبيلي يمني، سأدمر القرى، لا مجال للصفح عن الأمراء سأذيق الحميريين والسبئيين الويل... يرتد صدى سؤال في جوفه وما ذنب هؤلاء، اقتل الأمراء أعداءك... يصرخ البدر بقوة.. لا لا هم الأطهار ومن سلالة الأخيار، فقط سأقتل اليمنيين فهكذا فعل جدي ومن كان قبله وأبي على نهجهم الدموي سار!
يأمر البدر بتغيير "بوري" آخر لمداعته وينادي شرف الدين يقترب منه و يبدأ معه في وضع اللمسات الأخيرة لمرسوم جديد للجبايات، كم بيضة يتوجب دفعها مقابل سماع الراديو "جن الإمام"، وكم دجاجة وكبش يتوجب على اليمني ذبحه لعسكر الإمام، وكم أرضاً لابد أن يتحصل عليها عامل الإمام الذي بدوره سوف يسلمها للتقي الورع الزاهد الإمام!!
انهمك البدر مع من حوله في رسم خطط البقاء.. وفي الجهة الأخرى يرسم لهم علي عبدالمغني ورفاقه خطط الفناء والنهاية الأزلية.
انطلقت شرارة الثورة، ضُربت الإذاعة، وتوجهت الدبابة لضرب "بيت الحمد" وغيره من منازل الإمامة، ظن البدر أنها زوبعة وستنتهي، وربما فرصة سانحة ليثبت دمويته، ومبرراً لكي ينكل بالشعب كوالده، لكن الحقيقة غير ما كان يخاله ويتوهمه.
الشعب يلتف حول الثوار، البدر وحيداً تركه الأخيار!! كل منهم ذهب يبحث له عن مخبأ أو خمار للهروب، البدر يصرخ بقوة: ما الذي يجري، من الذي لبس خماري المخصص لهذه اللحظة؟!!
فر البدر من صنعاء، ولم يلبث أن عاد عميلاً يقاتل معه الرجعيون والصهاينة ومرتزقة من كل البقاع، انكسر البدر، رحل البدر، وثبت الشعب وانتصرت الثورة، ودفنت الإمامة.
ملاحظة تاريخية
ما نراه اليوم من محاولات لعودة الإمامة ما هو إلا العرق الأخير الذي لابد أن يُبتر، وها هو الشعب يبتره ويضحي لبتره للأبد، بتكاتف اليمنيين ومساندة الأشقاء، ليكون اليمن، ويكون الشعب وتكون الثورة والحرية والديمقراطية.