شباب وأطفال في عمر الزهور، وشيوخ كان يفترض أن يعتلي محياهم الوقار، لكنه الواقع المؤلم الذي نعيش، والقهر والظلم الذي تتسم به أيامنا، ليس تشاؤماً بل حقائق ظاهرة للعيان، في بلادي ترى الناس سياسيين أكبر من الساسة، وملكيين أكثر من الملك نفسه، يقتلهم التعصب ويعميهم الجهل.. يستغلهم تجار الحروب والمتلبسون بالدين والمتدثرون بشعارات وقيم ومبادئ الوطن والوطنية..
وها نحن في القرن الواحد والعشرين، وهناك من تراهم أحياءً ولكنّهم أموات، يتنّفسون ولكنّهم على وشكِ أن يختنقوا، يعيشونَ الحاضر ولكن بين أسوار الماضي، انشدادهم جنوني للماضي و لـ"الموتى" وفكرهم الذي قد خلا.
في بلادي يصـر "تجار الدين" أن نظل نعيش زمن المقارنة بين أخطاءٍ اقترفها أقوام في زمنٍ مضى وانقضى، وبين أحداثٍ قد أكل عليها الدهر وشرب، أخطاء قد اتّخذوا منها قبورا لأنفسهم، ورسموا بها النهاية لأحلامهم وطموحاتهم، وضعوها نصب أعينهم، فطبَعوا بها على آمالهم، وعلى أفكارهم، وعلى قلوبهم غِشاوةَ اليأس والفشل، الأمر الذي جعل هولاء التجار "تجار الدين والحرب" يجروا معهم إلى مستنقع الفشل والموت آلافاً مؤلفة من أبناء اليمن الذي كان سعيداً ذات يوم.
في بلادي تُصنع هالات كاذبة وقداسة اجتماعية خاطئة، ربما يعود ذلك للجهل أو السذاجة المجتمعية، فالهالة والتبجيل تم استغلالها ليحولوا الشعب إلى "عبيد" وطبقة "دونية"، وفي سبيل ذلك استغلوا الدين ودغدغوا مشاعر البسطاء بأنهم المقربون من سيد المرسلين، فكان لهم ما يريدون، واستطاعوا البقاء والإفساد والفساد كما يشاؤون، وكل ذلك شجّعهم على المُكوث في تلكَ القبور، وتلك العصور، فأقسمُوا على عدمِ مغادرتها أبد الدهر... وها هم لليوم يقاتلونا باسم "الحسين" و"يزيد".
من حين لآخر، يقفز ذلك السؤال الضخم المُحيّر ليغزو رأسي وكل تفكيري.. أحاول الفرار منه، وأعلم أنّه سيورطني بالكثير، ولكني لا أفلح بطرده خارجاً، إلا أنني أصرخ، لماذا لا يتعلّم الإنسان اليمني من أخطائه؟! ما هي الحلقة المفقودة ما بين الإنسان اليمني وكلّ البشرية؟
لِمَ تستحضر كلّ أمم الأرض ماضيها لتُحاكمه وتنقده وتستخلص منه العِبَر؟! و لا تسعى لعودته أبداً وإن همس صوت منادٍ بعودته وقف له المجتمع ووأد ذلك الصوت المسيئ للأمة والحاضر والمستقبل... ونحن في اليمن شمالاً وجنوباً نسعى لإعادة الماضي، فما بين السقوط المخيف للشمال في مستنقع الإمامية الجديدة، إلى الأصوات النادمة على إخراج المستعمر البريطاني من الجنوب ضاعت اليمن وشعبها.
أثق بأنه لو قُدّر للمناضلين والثوار الجمهوريين أن يعودوا للحياة لأعلنوا الثورة على هذا الشعب الخانع، الذي يقف متفرجاً على كل ما يعتمل في الوطن على يد الناقمين السلاليين، يا الله، كيف انقلبت بنا الآية وبتنا نستمتع بمشاهدة الجميع يهرعون للأمام، ونحن نفخر بسخريتنا من عزمهم المضيّ قدماً وكلّ ما نفعله هو تجميل بضع أحلام اليقظة واسترجاعها كلّ حين؟