لا أحد يتكلم في الوضع القائم في بلادنا وينتقده أكثر من المتسببين فيه من الساسة، وحين يتكلّم ساستنا، وهم عادة كثيرو الكلام، كثيرو الجدل، قليلو العمل، تخال نفسك للوهلة الأولى إزاء قادة أحزاب عريقة... تملك برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية واضحة... وتملك إجابات لكل متطلبات وضروريات وخدمات ومشاغل وانتظارات المواطنين... وتحوز على قدرة لا مثيل لها، تمكنهم من معالجة كل أمراض البلاد والعباد في أوقات قياسية، التي تسببت بهم سياستهم الكارثية وأحقادهم البينية والحزبية التي لم ير الشعب منها إلا الاقتتال والدمار والاستمرارية في المزايدات ورفع الشعارات نكاية بطرف ما هنا أو هناك.
حين يتكلم هؤلاء المنتقدون الذي لا يجيدون سوى الانتقاد والتنظير والتشكيك والتخوين، ويتفنون في خلق المشاكل، إلا أنهم لا يقدمون حلولاً واقعية، فعلى سبيل المثال، سمعنا الكثير من الحملات الإعلامية والزوابع التي تقوم بها قيادات ونشطاء من حزب الإصلاح، أو جماعة الحوثي، ضد الموقف الإماراتي الداعم لتنمية سقطرى، أو الساحل الغربي، وما تتحمله من أعباء هي في غنى عنها، مواقف لا يستطيع أن ينكرها عاقل، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا، ولكن ما تقدمه من خدمات طبية وإغاثية وتأهيلية جعلها في مرمى نيران الإصلاح ونشطائه، وأدواته الإعلامية، ولو بحث عن ماذا يريد الإصلاح في اليمن الوصول إليه بعد هذه الحملات والتنظيرات، بمقدورك تلخيصها في أن الحل يكمن في "تسليمهم زمام الأمر" وإقصاء المؤتمر، والحراك، والناصري والاشتراكي، فقط الحل يكمن فيهم، رغم سوء ما أوصلونا إليه من خلال المخطط الموكل لهم تنفيذه منذ 2011 والذي أضر باليمن أرضاً وإنساناً.
ظهر الاتفاق الإعلامي "الإصلاحي - الحوثي" جلياً وواضحاً في حملة #سقطرى_يمنية، وعندما غرقت سقطرى خرست ألسنهم ولم نسمع أحدا منهم يتحدث عن دورهم كحزب يتحكم في الشرعية، أو يطالب الحكومة المفترض عليها القيام بما يتوجب تجاه أبناء شعبها، إلا أنهم في الكوارث والاحتياجات يعملون بمقولة الفنان المصري الراحل علاء ولي الدين "اعمل نفسك ميت"، رغم أننا لم نسمع لهم صوتا معادياً للإمارات في مأرب، واتهامها بشيء من التهم التي يكيلها الإصلاح لها في باقي المحافظات اليمنية، والسبب بسيط لأن مأرب تحت سيطرة الإصلاح ولا ضير أن تكون تقدم الإمارات كل الدعم والحماية لهم هناك، ما دام هم المسيطرون، لانهم كما أسلفت لا يريدون أحدا بجوارهم من بقية الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى.
ولا غرابة فهم خرّيجو مدرسة «تهافت التهافت» على القنوات الفضائية ومنابر الاعلام ،ديدنهم صريف الكلام وبيع الأوهام... وحرفتهم صبّ الزيت على نيران المناكفات والمجادلات الحزبية... اختصاصهم إشعال حروب المواقع والمصالح، وهذه حروب لا يتخلّف عن خوضها أحد ويستعدّ لها الجميع ويعدّون ما تيسّر من أدوات الضغط والضرب في المناطق المحرّمة. بإيجاز حين يتكلّم هؤلاء تحسب أنك إزاء ـ جهابذة ـ يملكون وصفات لعلاج كل الأمراض والأعراض والأورام سواء توزّعت في مجال الأمن و الإستقرار و الاقتصاد أو العمل والإنتاج وخلق مشاريع تنموية وخدمية... لكن حين تفتح عينيك في غفلة عنهم وتتأمل في المشهد لا تملك إلا أن تستسلم لدوامة اليأس والإحباط التي أثاروها ونثروها بسبب زوابعهم الإعلامية و حقدهم السياسي و الحزبي و بأدائهم الضعيف وبتهافتهم السخيف على المناصب والكراسي وبافتقارهم الفظيع لأبجديات التصرّف السليم والإمساك بناصية أسس تصريف شؤون الدولة والاستجابة لحاجات البلاد ومقتضيات الواقع المعاش وما تفرضه الظروف من ضرورات فرضت علينا التدخل الخارجي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
أما الحوثيين فيكفي أن تتأمل المشهد في صنعاء و المناطق الواقعة تحت سيطرتهم ، و تتأمله بعيدا عن غوغائهم وعن قدراتهم العجيبة في مجالات السفسطة وبيع الأوهام فإنك سوف تجد اقتصادا يلفظ أنفاسه الأخيرة ويستعد للانتقال الى الرفيق الأعلى... ستجد الريال (عملة وطنية) يدسّ رأسه في التراب وقد عجز عن الصمود في وجه العملات الصعبة ، بسبب النهب والخراب المالي و الإداري الذي أحدثوه منذ إنقلابهم و جرهم البلاد إلى أتون حرب متواصلة ليومنا هذا ... و أيضاً ستجد أسعارا «تبدع» في رياضة القفز العالي وتقدر على هزم كل الجيوب بالضربة القاضية وإجبارها على الإقامة الدائمة في غرف الانعاش، غرف الدين و السلف لمن وجد إليها سبيلا ولم يجد نفسه مفلسا على رصيف الجوع والعوز محروماً من الحصول على أقل القليل لسد رمقه وحاجات عائلته.
حين تتأمل في المشهد ستجد إدارات خاوية منهوبة وموظفين رسميين مغلوبين على أمرهم في ظل نهب مرتباتهم ... وستجد طرقاً يتفنّون في ابتكارها و أساليب جديدة لامتصاص دماء الشعب تحت مسمى "الصمود"... وستجد شبابا يساق للموت و محارق الحرب بعد أن انسدّت الآفاق أمامه فاعتزل المجتمع والتعليم وانكفأ داخل عالم مذهبي غريب... ستجد شعبا يموت جوعاً و أفواه مكممه، لا تجد أي متنفس للتعبير سوى الشبكة العنكبوتية التي أوجدت لنا ملايين المناضلين والمناضلات على ـ الفيسبوك ـ وملايين المختصين في خوض المعارك العبثية ونشر الغسيل القذر بلا وجل ولا خجل ولا حياء...
تعود لتسأل نفسك: أين عباقرة السياسة و الأحزاب و جهابذة الإسلام السياسي والتمكين و الولاية ؟ وأين سياسيونا العباقرة والأفذاذ من كل هذا؟ أين وصفاتهم وأين حلولهم وأين أجوبتهم وأين علاجهم لمآسي بلدهم وأمراض شعبهم؟ بدلاً من رمي التهم على بعضهم بعضا، و عض كل يد تحاول المساعدة الحقيقية حتى وإن تعارضت مع مصالحهم الضيقة .
في الختام،عليك أيها اليمني المغلوب على أمرك و المُتلاعَبَ بك بين هذا الطرف أو ذاك ، أن لا تتعب نفسك ولا تضيّع وقتك في البحث عن أجوبة لهذه التساؤلات لأنك لن تجدها... ولن تجد ضالّتك إلا في قولة سيدنا عمر الفاروق رضي اللّه عنه: «إذا أراد اللّه بقوم سوءا منحهم الجدل ومنعهم العمل»... ويبدو أننا بتنا بسياسيينا و أحزاب الإسلام السياسي خير تجسيد لهذه المقولة الخالدة.