عبدالفتاح الصناعي
ابن سلمان وأزمة مقتل خاشقجي واليمن
بعيدا عن إثبات أو نفي أي روايات أو معلومات تفصيلية عن مقتل جمال خاشقجي، سأقف عند ملاحظات عامة حول المعلومات الواضحة التي قد وضحت وفرضياتها الأساسية، وبعيدا عن الدفاع والتبرير أو المبالغات، فهنالك أخطاء متجذرة بالبنية السياسية العربية، بل وبطبيعة السياسة بشكل عام.
هنالك ما يقارب نصف الطريق، أو أكثر أو أقل التي قطعها ابن سلمان في استراتيجيته للإصلاحات، هي تشبه تلك الرؤية الاستراتيجية التي جاء بها أوباما لإصلاح وترميم سياسة امريكا التي ساقتها للحضيض والانهيار شبه التام قبل مجيئه، ومع هذا ظلت لأوباما اخطاء كبيرة واخفاقات وتعثرات، وكذلك ايجابيات وإصلاحات ونجاحات قد لاتكون بحجم ما وعد وبشر به.
ابن سلمان حمل إصلاحات وقاد نجاحات مبكرة، بنفس الوقت مازالت هنالك اخطاء أخرى يحتاج إلى أن يكون شجاعا في مواجهتها.
وقوع محمد بن سلمان في أخطاء صغيرة أو كبيرة على المستوى الشخصي أو كتصرف شخصي لإدارته هو أمر ممكن، وإن المسألة لاتقتصر على حادثة معينة كقضية خاشقجي، إلا من ناحية أنها مؤشر عام على طريقة التفكير، وأن الضرورة معالجة القضية بما يسهم في تغيير ومعالجة لقضية التفكير..
الأخطاء التي نستغل تعقيداتها وصعوبتها للمراجعات والتصحيح هي أعظم وأفضل من النجاحات التي تكسبنا غرورا زائفا يجعلنا نحيد عن الطريق الصحيح وندفع ثمنا كبيرا لهذه الأخطاء.
الأخطاء التي تسببت في مقتل خاشقجي، من قبل من كانت، والتي جعلت السعودية في هذا الموقف المحرج، وهي تدفع ثمنا مختلفا لهذا الخطأ والتقصير واللبس، تعبر من ناحية عامة عن النصف الآخر من الأخطاء التي لربما لم يتمكن بعد الأمير محمد بن سلمان، من مواجهتها وإحداث قفزة نوعية جريئة فيها، كما هو شأن الإصلاحات العظيمة التي قام بها.
قد تكون هذه الأخطاء الصلاحيات للمسؤولين، وقد تكون طريقة التفكير العربية الخاطئة في التعامل مع المختلف معنا بالرأي والفكر، ظاهرة نعايشها نرى من المسؤولين والإداريين والجنود وقادة الأمن والخطباء الذين غالبا ما يكونون أكثر تطرفا وعداء مع الآخر المختلف الذي يوجه نقدا لمسؤول وأمير ما، هؤلاء من نسميهم ملكيين أكثر من الملك.
لن يستطيع ابن سلمان أن يقف في منتصف الطريق من الإصلاحات التي قام بها والتي تحتاج أن يقوم بها، فقد تكون الإصلاحات بطبيعتها منظومات متكاملة، ينبغي أن يقام بها كمنظومة متكاملة وإن كان الأمر متدرجاً، فقد تبدو الأخطاء بكل جلاء بعد حدوث التغييرات الإصلاحية، بمعنى أن ارتكاب مثل هذه الأخطاء وأبشع منها قبل القيام بالإصلاحات الجديدة، لم يكن يحدث لها مثل هذا الصدى والرواج، ولذا محمد بن سلمان ليس أمامه إلا مواصلة الإصلاحات بكل شجاعة وقوة وتحد وأن يتعلم من التجارب.
على مستوى اليمن هنالك أخطاء للسياسات السعودية التى توارث أساليبها في التعامل مع اليمن منذ قرون، وقادت إلى اخطاء وقعت بها العاصفة وفيما بعدها وأنتجت العديد من التأزمات والتعثرات، وقادت إلى كثير من الأخطاء والإخفاقات، كطريقة تفكير، وكأخطاء لتجاوزات نافذين ومسؤولين سعوديين ويمنيين، تحتاج الى مواجهة بكل شجاعة وجرأة، وإحداث إصلاحات جذرية فيها.
لن تقتلنا الأخطاء التي نكتشفها ونعترف بها ونراجعها، بل تهدينا نقاط قوة وتجربة تثري تفكيرنا بالسير بالمسار الصحيح..
ولن تهزمنا التعقيدات والصعوبات والتعقيدات بسبب اتخاذ الإصلاحات مسارنا الأساسي، بقدر ما تحفزنا وتدفعنا نحو إصلاحات أكثر أهمية وتكشف لنا قوتنا وضعفنا وتوضح لنا بأن نتائج الإصلاحات بكل ما في طريقها من صعوبة هي أجمل وأعظم من المغالطات والإصرار على الأخطاء التي تسوقنا نحو الهاوية.