جلال محمد
الجزيرة... التضامن الإعلامي وفق معايير تنظيم الإخوان
اختفى خاشقجي، وبدأت الجولة، هكذا هوحال الشاشات ووكالات الإعلام الكبرى المعروفة بنفاقها أكثر من صدقها، وعلى رأسها قناة الجزيرة والمنابر الإعلامية التابعة لتنظيم الإخوان خاصة الممولة قطرياً ابتداءً، كما قلنا، بالجزيرة وانتهاءً بالواشنطن بوست وما بينهما جوقة الناشطين والكتبة والمحللين والمفسرين والمتوهمين وذوي التخمين والحبكات، قنواتٌ لم تحترم يوماً عقول الناس، تهافتت لتنوب عن قنوات الأفلام والاّكشن والرعب أيضاً.
ضُج المواطن العربي بتلك الأخبار العاجلة والتخصيص المستمر للتحليلات والتكهنات على مدى الساعة، في مشهد غريب أن يحضر سكان الأرض فيلماً واحداً فـ«التايمز» و«الواشنطن بوست» و«دايلي ميل» وغيرها، استطاعوا تجميد البشر أمام الشاشات، وخدروا العقول بجرعةٍ زائدة، وحرفوا الأنظار عن الحقيقة، محولين إلى مؤامرة للنيل من السعودية وكل ذلك في سبيل إشباع هوس وحقد سياسي، ولا غرابة فعندما يكون المراهقون على رأس الأمر دوماً يظهرون الغسيل العفن والفكر الموبوء بالانتقام والمناكفة.
ونحن في اليمن كان لنا نصيب كبير من هذا الضجيج فمواقع "الإصلاح" وناشطوه ما فتئوا يكتبون ويحللون ويطلقون الهاشتاقات متناسين ما يعانيه الشعب وأن الف الف جمال موجود في اليمن، وألف الف قضية تستحق منهم هذا الاهتمام وتلك الغيرة المصطنعة، ولكن أنى لنا ذلك، فالمبرمَجون على شيء لا يستطيعون الإتيان بغير ما يأمرهم به المحرك الرئيسي لهم، والمستخدم لهم كيف يشاء ووفق ما يشاء ما دام ذلك سيحقق له ولتنظيمهم العائد والبقاء الآني حتى وان كان على حساب اليمن أرضاً وإنساناً.
ولعلنا نتساءل هل يعرف إصلاحيو اليمن وناشطوهم على مواقع التواصل الاجتماعي من هو جمال خاشقجي، ولماذا اختير ليكون «بطل» القصة الوحيد؟
ولماذا تحرك العالم والساسة لأجل اختفائه؟ ولم يتحرك لأجل ملايين البشر الذين يموتون جوعاً وتفتك بهم الأمراض وبطونهم خاوية جراء كهنوت الحوثية وإرهاب الإخوانية ونتيجة صراعهما وهما أساس الخراب في اليمن منذ 2011م، وأيضاً لماذا لم يتحرك العالم لأجل ملايين البشر الذين قتلوا في فلسطين والعراق وسورية وليبيا؟!
من المؤكد أن اختفاء صحفي عادي لم يكن ليؤدي إلى تحريك العالم بهذا الشكل الرهيب! ويتساءل البعض: هل حقا هو صحفي «مرموق»؟ كما قالوا عنه، فالرجل بدأ حياته كأي جهادي مؤمن بما تؤمن به جماعة "الإخوان" من تطرف ولم يتأخر بالالتحاق بمعسكرات التطرف المسلح في أفغانستان ولعله كان رفقة الزنداني وتعلما من بعض كيفية إرسال الصور والمعلومات لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي بدورها فتحت أمامهما أبواب ما يريدون، فعاد الأول لليمن كـ"رجل دين" و"طبيب أعشاب" ومستثمر شركة الأسماك، وختمها بصاحب "براءة الاختراع" وفتحت أمام خاشقجي المحاط بهالة الإخوان وتيارات الإسلام السياسي والمشاريع المنسجمة مع ما تريد دور المخابرات الغربية، فتحت له أبواب صحفها ووكالات أنبائها.
أياً كان الدور الذي لعبه خاشقجي، والمآل الذي وصل إليه ففي النهاية نتضامن معه ونُدين ما جرى له، فأي قتل خارج القانون وأي اعتداء بسبب الفكر وحرية الكلمة أمر مُدان، ولكن ما تقوم به قناة الجزيرة أمر مقزز ويجعلنا نقف حائرين تماماً هل نحن أمام قضية تصفية "صحفي" أم تصفية رجل له ارتباطات معقدة سياسية واستخبارية لها علاقة بالمشروع الإخواني التخريبي في الوطن العربي والذي تُعزز شعورنا هي هذه التغطية والضجة الإعلامية التي تُنبئ بأن مسوقي ورعاة ما أُسمي الربيع العربي يعيشون حالة "جنون" بسبب انهيار مخططهم في أغلب الدول التي نفذوا فيها مؤامراتهم، ولم يكف دول وقنوات وتنظيم الفتنة الصراع الملتهب فيه منذ سبع سنوات في المنطقة.
ها هو مصير جمال قد عُرف، والمعنيون بالأمر يحققون، فهل من الممكن أن نرى تغطية مهنية لكافة الأحداث في العالم العربي ونقل ما تعانيه الشعوب العربية إلى الرأي العام الأوروبي كما فُعل مع قضية خاشقجي أم أن قطر والجزيرة وجدوا في قضيته ضالتهم ليصبوا نار الحقد والتبجح ضد جارتهم مؤملين في موقف أوروبي وأمريكي قد يُطيح بأحد أركان السلطة هناك فقط، ولا أعرف هل غفلت قطر وتنظيم الإخوان وكل الواقفين أمام الحملة الإعلامية السيئة التي أفقدت المرحوم جمال خاشقجي التعاطف الصادق، هل يدركون أن العالم تحكمه المصالح وليس المُثل العليا والقيم التي لا تستطيع خلق وظائف ولا تجني الأرباح... العالم تحكمه المصالح المالية والعقود والصفقات، ولذا لن تُقدم أي دولة على اتخاذ موقف ما يضر بعلاقتها ومصالحها فالغرب والشرق يحتاجون السعودية بقيادتها وتركيبتها الحالية ولن يستغنوا عنها أويعاقبوها لأجل جمال أو ألف جمال.