وفق خطة تم وضعها مسبقاً وطرق مدروسة وممنهجة تم إيكال مهام التنفيذ لرئيس لا يختلف اثنان على "عنجهيته" وصلفه، ولأجل هذا كله جيئ بدونالد ترامب كي يكون الرئيس الأمريكي الذي يتخد قرارات وينفذ خطوات لم يقوَ على تنفيذها أحد غيره، يسير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باتجاه إسقاط كل الاتفاقات والمعاهدات التي أبرمتها الإدارات الأمريكية السابقة. آخر هذه المعاهدات التي أعلن ترامب نيته الانسحاب منها وإسقاطها.. تلك التي أبرمها الرئيسان ـ ريغان وغورباتشوف ـ عام 1987 والمتعلقة بالحد من انتشار الأسلحة النووية القصيرة والمتوسطة المدى. وذلك بتعلّة أن روسيا ـ تخادع بلاده ـ وتمضي في تطوير وحيازة مثل هذه الأسلحة وهو ما يحتاج إلى إقامة الحجة والدليل وإقناع روسيا والعالم بوجاهة القرار الأمريكي وذلك لارتباطه الوثيق بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين من جهة... ولكونه يعد إشارة إطلاق لسباق محموم نحو التسلّح من جهة أخرى.
قبل هذا النكوص الأمريكي وقبل هذا الانقلاب على معاهدة تحمل توقيع الإدارة الأمريكية كان الرئيس ترامب قد أخرج بلاده من اتفاقية المناخ وانقلب على الاتفاقات الخاصة بالحديد والصلب حتى مع حلفائه الأوروبيين، كما تراجع بخصوص اتفاقات تجارية وجمركية مع الصين وأخرج بلاده من الاتفاق النووي مع إيران وهو الاتفاق الذي وقعته 6 دول (بما فيها أمريكا) مع إيران والذي كرّسه قرار لمجلس الأمن الدولي..
سلسلة انقلابات ترامب لم تتوقف عند هذا الحد، بل إنه عمد إلى إخراج بلاده من منظمة اليونسكو ومن منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين موقفا بذلك كل تمويل أمريكي لها في مسعى واضح لإغلاقها والتضييق على الشعب الفلسطيني ودفعه للقبول بما سمي صفقة القرن.
وعندما يتمادى الرئيس الأمريكي في هذه السياسة الممنهجة الهادفة إلى الانقلاب على كل المعاهدات والاتفاقات التي أبرمتها الإدارات الأمريكية فإنه يوجه ضربة قاصمة إلى مصداقية بلاده أو بالأحرى إلى ما بقي من هذه المصداقية بالنظر إلى طبيعة الحجج الواهية التي يستند إليها وكذلك إلى الطريقة الأحادية والمتغطرسة التي يتم اعتمادها على هذا الصعيد وعدم احترام مقتضيات الاتفاقات الخاصة بالانسحاب وهو ما من شأنه أن يوجه ضربة قاصمة لمبدأ إبرام المعاهدات والاتفاقات الدولية والأممية طالما أنه سوف يصبح بإمكان أي طرف الانسحاب منها والتنصل من كل تبعاتها ومن الالتزامات المترتبة عنها.
ليس هذا فقط، بل إن الرئيس ترامب بخطوته المتهورة والمتغطرسة هذه لا يقدّر حجم الضرر الذي سوف يلحقه إعلان انسحابه من هذه الاتفاقية مع روسيا بالسلم والأمن الدوليين... وذلك لجهة أن قراره سوف يطلق جولة جديدة من السباق نحوالتسلّح وهو ما لوحت به بعد كل من روسيا والصين.
علاوة على خطر إعادة الروح للحرب الباردة التي وضعت العالم في عديد الأزمات (منها أزمة كوبا) على حافة مواجهة نووية لا تبقي ولا تذر.
واضح أن الامبراطوريات والدول العظمى تفلس أخلاقيا وتسقط أخلاقيا قبل الانهيارات المدوية، ويبدو أن الرئيس ترامب يفعل كل ما في وسعه لإسقاط أمريكا أخلاقيا.. فهل يدرك إلى أين يقود بلاده بكل هذه الانقلابات المدوية؟