أحمد المغربي

أحمد المغربي

تابعنى على

طمعاً في سلام يقينا حر الحرب وشقاء الاقتتال

Saturday 27 October 2018 الساعة 08:02 am

كالعادة، في كل صباح، لا شيء يشعرني بأني حقيقي سوى أشياء كثيرة ألاحظها حين أرى نفسي في المرآة: تقاسيم شارب، إحدى عيني محمرة من أثر سهر البارحة، وسواد تحت عيني من شدة الأرق.

كل شيء يذهلك ويعيدك لزمن تنسى بأنك كنت فيه يوماً 
متعباً من سماع الانفجارات وأصوات القذائف المتناثرة في الأرجاء، الذي أدرك تماماً بأنها لن تنفعنا في شيء في ظل العاصفة الذي شنقونا بها..

اشتقت جداً لرؤية الأطفال وهم يذهبون إلى المدرسة حاملين فوق ظهورهم جبالاً من العلم الذي أدرك تماماً بأنها من ستخرج البلاد من أزمتها وترتقي بها.

هذا الصباح ربما يختلف قليلاً عن كل الصباحات حين يتعلق الأمر بأنثى جميلة طاهرة نقيه نقاء الثوب الأبيض المنقى من الدنس.

"طمعاً في سلام يقينا حر الحرب وشقاء الاقتتال"
هكذا بدأت صباحها معي ولم تقل صباح الخير أبداً
سلام
ماذا تعرفين عن السلام يا أمي..
آه آه آه "أهات خالطتها تنهيدة كادت دموعي أن تسير من عمق وجعها"..
السلام: وبما اننا نتحدث عنه يا أحمد، فالحديث عن السلام شهي جداً.. هو الشعور بالحياة.. الحياة التي لم نعد نعلم إن كنا نعيشها أم تفرض علينا أن نعيشها بواقع أشعر بانه مستخدم وزمن مخطط لنا بالعيش فيه رغم بؤسه..

قاطعتها قائلاً: 
أحب حديثي معك لأنك ببساطة تقربي لشيء ملائكي يمشي على الأرض. 
قل لي يا أحمد –بعد أن أغلقت فمي بيدها– قل لي:
كم تبقى من الوقت لدينا لنعيد ترتيب الحياة حسب توقيت العمر!
لا أعلم 
فولادتي في هذا العالم هي بمثابة حصولي على تذكرة لمشاهدة عرض لغرباء الاطوار!
بين النصف المشاهد ﻭالنصف الممثل للعرض تتعذب الكلمات وتموت قبل أن تحتضر!

أمي الحبيبة:
أنا وأنتِ لسنا سوى أضغاث كائنات فتفكيرنا عالق لمجتمعنا في حنجرته، فكيف لي أن أعيد ترتيب الحياة وقد اضعت السلام!
أحمد يا بني:
إذا جعلته يشعر بأنك تتوقع منه شيئًا ايجابيًا، فلديك فرصة في استخراج أفضل ما فيه "أقصد الذات".
كيف نريد بلوغ السلام وكل منا لا يملك على ذاته حق السلام "اعني الضمير يا عزيزي".

أمي يا حبيبة:
انتهى حلم الطفولة بغروب شمس الأصيل وأشرقت شمس الصباح بعينين بارقتين بالأمل وقلب لم يشعر يوماً بالملل 
وروح حالمة تحلم بالسلام.
ورغم حالتي هذه أكتب الآن:
بعد ما سكبت القليل من الغربة على الورق، فتحول لونه من الأبيض إلى الأصفر فهكذا يليق بالتحدث عن الأشياء الراحلة..

السلام:
هو الشيء الوحيد الذي أخذ الحيز الأكبر من حياتي 
ليس هناك شيء أسوأ من فقدان السلام 
فمع كل سلام تفقده يسقط قلبك من الحياة وتشعر بعدها بالقوة، القوة التي تجعلك تبكي بضعف وتكتب لتفشل أبجديتك في المرور بسلام على الورق، تصرخ فتخرس الحياة صوتك، فتقف أمام نفسك لتعتذر:
عن الصوت الذي لم يصل، الكلمة التي ماتت قبل أن تعبر من الحنجرة، السلام الذي ترك وراءه دمارا وخوفا عابرا وذكريات مؤلمة لا تنسى.. 
عن الآباء الذين يدفنون أبناءهم في صراع البقاء.
عن تغلب حب القوة على قوة الحب.
عن فقدان صداقتنا لضمائرنا ورحيل السلام عنا.
كيف لا والسلام مناخنا للحرية.

السلام:
ليس نتاج الإرهاب أو الخوف.
ليس صمت المقابر.
ليس النتيجة الصامتة للقمع العنيف.
ليس المساهمة السخية، المطمئنة للجميع في صالح الجميع.
هو فعالية، سخاء، حق وواجب.

أمي الغالية:
"طمعاً في السلام"، سأحدّد مساحة العالم وعلى ميزان كفك الطاهر سأزِنُ ذهب الشمس وشحوب القمر لنعيش في سلام دائم!