سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

الجزيرة.. كذبة كبيرة !

Monday 29 October 2018 الساعة 10:20 am

قرأت قبل أشهر كتاباً أصدره معهد الإعلام التابع لقناة (الجزيرة) عن (جمع الأخبار والتحقق منها على شبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي)، قال إنّها كمن يبحث عن الحقيقة في كومة من الأخبار الكاذبة، ومن فرط إعجابي به كنت عزمت على الالتحاق بدورة تُطبق ما جاء فيه، ونصحت بقراءته -ولا أزال- كثيراً من زملائي الصحفيين، فالمستقبل لهذه المنصات الفردية بدلالة تفوقها خلال بضع سنوات على مختلف وسائل الإعلام.. ولم تعد حكراً على الشأن الاجتماعي كما أراد مبتكروها.

وَمِمَّا جاء في ذلك الكتاب أن الأخطاء تقع دائماً في العمل الإعلامي، لكن ينبغي تكذيبها والاعتذار عنها بمجرد معرفتها، وأنّ الجزيرة أخطأت في نقل العديد من الأخبار المفبركة منذ قررت في نهاية ديسمبر 2010 الاعتماد على وسائل التواصل في نقل الأخبار والصور ومقاطع الفيديو، لاسيما في البلدان التي تمنع أي نشاط للقناة على أراضيها، غير أنِّ الكتاب زعم أنّها كانت تعالج الخطأ بالتوضيح والاعتذار للمعنيين والمشاهدين، وهذا لعمري تصرف ملتزم بأخلاقيات المهنة، لكن واقع (الجزيرة) يُكذبه.. فقد دأبت على نشر معلومات غير مؤكدة، أو أحادية المصدر، أو بعد تلوينها لصالح أو ضد جهات قد تتفق أو تختلف معها.. والأنكى أنّها تتورط في نشر أخبار ملفقة كما تفعل منذ أسابيع في قضية الصحافي السعودي (جمال خاشقجي) الذي قالت إنّ قتلته قطعوه إرباً بمنشار كهربائي وألقوه في بئر، ثم تراجعت وزعمت أنّهم ذوبوه بمحلول كيميائي، ولم تبرر تنقلها في الكذب كما لم تخبرنا عن مصدر معلوماتها وكيف توثقت منها؟!

وهنا بعض ملاحظات لصقت بذاكرتي عن الأفلام التي نشرتها القناة حول اليمن منذ بداية الحرب وزعمت أنّها وثائقية، مع مقارنتها بمواقف قطر الممولة للقناة قبل طردها من التحالف ومن بعد ذلك، وسأبدأ بالفيلم الذي بثته الأسبوع الماضي حول (كتائب أبو العباس) التي قالت إنّها تابعة للإمارات، وكأنّها تكشف سراً خطيراً لا تعلمه السعودية الطرف الأول في التحالف والداعمة أيضاً لهذه الكتائب، التي لا أدافع عنها لاختلافي حتى مع مسماها.. فأنا مع الجيش وتصنيفاته الوطنية والجمهورية، وإنما أُبدي استغرابي من إيراد المعلومة باعتبارها تهمة مع أنّ الإمارات والسعودية تجمعهما اتفاقية تعاون استراتيجي، وصارتا معنيتين بمواجهة تغلغل إيران في المنطقة.. وتقودان الحرب ضد صنيعتها في اليمن.

وعلى ذكر مسميات المليشيات الحالية فقد كان معارضو (صالح) يطلقون على جيش الجمهورية اليمنية في عهده (الجيش العائلي) رُغم أنّه خاضع للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وعند تسليمه الرئاسة لنائبه استجابت قيادات الجيش من أقربائه لتغييرات وهيكلة (هادي) بكل سلاسة، كما خضع من عينهم لاحقاً لتوجيهات وزير دفاعه بعدم التصدي لتمدد الحوثيين من صعدة إلى صنعاء.. حتى أصيب معظم الجيش بانتكاسة وخيبة أمل.. 
والمفارقة في الوقت الحالي أنّ طرف الحوثيين صاروا يجبرون ميليشياتهم على القسم بالولاء لسيدهم المُدعي عصمته وقرابته من النبي... وبعض من في الطرف المقابل يُسمون قواتهم بأسمائهم.. أو بصفات غير وطنية.. تُفَرِّق أكثر مما تجمع.

وشاءت الأقدار أن تفضح زيف المتخرصين، ويشكل العميد الركن (طارق صالح) -ابن شقيق الرئيس المتهم بمحاباة عائلته- ألوية عسكرية من كل مديريات اليمن باسم وطني جامع هو (حُراس الجمهورية)، وينزع رتبته العسكرية هو وضباطه، حيث لا رُتبة ولا مكانة عندهم سوى لمن يتقدم الصفوف ببسالة ويدافع عن الجمهورية بصدور مملوءة بحب اليمن.

وبالعودة لفيلم (أبو العباس) المسلوق لهدف سياسي تحدثت القناة عن وجود جثث مدفونة لمقطوعي رؤوس في حوش سكن المحافظ في تعز، وهي فرية سبق تداولها قبل أكثر من عام في وسائل التواصل واتضح أنّها كاذبة، والجثث المكتشفة أُخرجت من مكان آخر... لكن القناة تستخدم تعز لتصفية حسابات قطر مع الإمارات.

كان الأحرى بفيلم الجزيرة الاستقصائي أن يتذكر ويوثق انفراد القناة قبل خروج قطر من التحالف بنشر خبر مصور يحتفي بزيارة مسئول في منظمة الصحة العالمية إلى تعز رافقه فيها (حارث العزي) الذي زعم أنّه قائد تنظيم (داعش) في تعز بعد خلافه مع القاعدة مع أنّه كان قبل الحرب منتمياً للحوثيين بحسب إفادة مدير الأمن الأسبق (مطهر الشعيبي).. وهو نفسه المتورط في نصب المشانق في المبني التابع للنادي الأهلي!!

من الكذبات الكبرى في الوثائقي الخالي من الوثائق عرض شخص على أنّه صحافي في جريدة الجمهورية الحكومية، ولو سألت الجزيرة قيادة نقابة الصحفيين اليمنيين، لعلمت بأنّه لايوجد صحفي بالاسم المذكور في الفيلم.. ليس فقط في جريدة الجمهورية، ولا في النقابة، وإنما في الجمهورية اليمنية كلها.. وكنت أتوقع من الجزيرة أَن تحاسب من كذب عليها.. وتعتذر من هذه الخطيئة بعد أن نشرت الصحيفة المعنية بالخبر تكذيباً لها، التزاماً بأخلاقيات المهنة واحتراماً لما جاء في كتابها المذكور أعلاه.. لكنها أصرت واستكبرت ولم تفعل.. وشخصياً لا أعلم سبب لجوء قناة الجزيرة لتجاهل صحفيي الجمهورية وهم بالعشرات، ناهيك عن موظفيها وهم بالمئات -وفيهم من يحمل نفس الرأي الذي كرّسه الفيلم- فتنسب لهم شخصاً ليس منهم.. يتحدث باسمهم!!

بعد أشهر وجيزة من الحرب نشرت الجزيرة فيلماً زعمت أنّه وثائقي عن تسهيل دخول صنعاء أمام الحوثيين ألقت فيه باللائمة على الرئيس السابق، وهو الطرف الأضعف حينها مقارنةً بالرئيس المنتقم ووزير دفاعه السلالي، وبلع المشاهدون الكذبة على مضض لمعرفتهم بأن الجزيرة انقلبت على الزعيم صالح بسبب تقاربه مع السعودية، وصارت تلقبه بالرئيس المخلوع بعد أن ظل أكثر من عشر سنوات يتصدر إعلانات نشراتها بوصفه الزعيم الديمقراطي الأوحد.. كما كان مقدمو برامجها يتسابقون على إجراء حوارات معه، خلعوا عليه فيها من ألقاب التبجيل ما كان يُشعره بالخجل. 
ولأنّها تعمل وفقاً لأجندة متغيرة بحسب الأهواء والمصالح، تناست ما زعمته سابقاً بعد أن طردها (محمد بن سلمان) من التحالف.. ومثّلت فيلماً وثائقياً آخر عن مؤامرة دخول عمران ومقتل حميد القشيبي أكدت فيه أنّ وزير الدفاع الأسبق الذي قالت إنًه مأمور من الرئيس هادي هو من دعم الحوثيين وفتح أمامهم المنافذ !!

في 2011 نشر مفسبك تابع لشيخ موتور أنّ علي عبد الله صالح نهب ستين مليار دولار، وتلقفت الساحات الكذبة رغم المعلومات المالية التي تؤكد أن دخل اليمن من الموارد السيادية طيلة فترة حكم صالح يتجاوز قليلاً ضعف المبلغ الذي قيل إنّه نهبه، وتم إنفاقه في موازنات سنوية معلنة ظهر فيها عجز مالي تم تغطيته بقروض وإعانات خارجية.. لكن الكذبة كادت تنطلي على مشاهدي القناة بسبب الإصرار على تكرارها لسنوات، لولا أن قيض الله له من يبرئهُ من حيث أراد تأكيد التهمة، ومن داخل القناة نفسها، بفيلم عن الأموال المنهوبة بذلت فيه القناة جُهداً ومالاً.. وتمخض الفيلم عن شقتين في باريس و2 مليون دولار حوّلها ابنه خالد.. والبقية رّغم أنّها لم تصل حتى لمليار دولار، تلفيقات وتخرصات لم تثبتها بأدلة أو وثائق.. وكالعادة لم تعتذر القناة لمشاهديها.. ومن تابع الحديث الأخير للرئيس صالح قبل استشهاده ببضع ساعات سوف يدرك مقدار الألم الذي تجرعه بسبب افتراءات الجزيرة ومخرجاتها حتى إنّه لم يكن مهتماً لقصف القذائف على أسوار منزله قدر اهتمامه بتوضيح حجم أمواله ومصادرها.

ولعل الوضع المأساوي الذي يعيشه اليمنيون منذ أن تقافز قرود الكهوف إلى صنعاء بدعوى إنقاذهم من الجرعة يجعلني أتفق مع المشاهد الذي علق على فيلم الأموال المنهوبة بتغريدة في تويتر، قال فيها: 
"متأكدين يا جماعة أنّ صالح كان ينهبنا؟
أنا على الوضع الذي نعيشه حالياً بدأت أشك إنه كان يشقي ويكدح لكي نعيش ويصرف علينا من جيبه".

الصحيح أنّ صالح لم يكن ملاكاً منزّهاً عن الأخطاء.. لكنه كان أفضل ممن يتحكمون باليمن حالياً.. ويديرونها كما يديرون تجارة لهم.