عبدالفتاح الصناعي
الفرار يوم الزحف.. والجهاد الأكبر
حين أصبح الجميع في خندق وطني واحد، ضد جماعة قهرت وشردت الجميع، فتوحد الجميع ضد مخاطرها، رغم كل ما بين القوى الوطنية من اختلافات وتأزمات، وخلافات عميقة قديمة وجديدة، ظهر البعض يعبر عن موقفه ضد هذه الحرب بطريقة توحي بأن هذا ليس موقفا ولا رأيا، هذه خيانة وطنية في وقت معركة مصيرية، تستدعي من الجميع الترفع فوق كل الصغائر، والوفاء للقيم الوطنية والاخلاقية بعيدا عن أي اعتبارات ومصالح شخصية وعدوات وأحقاد، لاتليق بوطني بأن يتلبسها في لحظة وطنية فاصلة.
من السخف والقذارة أن تبرر للأخطاء والجرائم تحت ذريعة الحرب، ومن الانحطاط والسفه أن تزايد بالأخطاء حين تكون في أقل ما يمكن أن تكون كضرورات طبيعية بحدودها المعقولة، وبكل الجهود والأدوات التي تسعى لتلافيها وتصحيحها.
ومن العته وقلة العقل وضعف الضمير الاخلاقي والوطني بأن تطالب بإيقاف معركة في لحظات حاسمة أشرفت على تحقيق النصر النهائي، ضد جماعة اباحت واستباحت كل شيء.
الأمر ليس مثالياً ولن يكون كذلك بعد انتهاء الحوثي، أمامنا العديد من العقبات الصعبة، والخلافات المعقدة اجتماعيا وسياسيا، لكن كل هذه المآزق والعقبات بالتأكيد لن تكون أسوأ مما نحن فيه الآن من الشتات والانهيار للدولة والمجتمع.. وليس من العقل ولا من المنطق بأن تواجه عقبات ومأزق ما بعد الحوثي بإيقاف المعركة الحاسمة ضده.
عزيزي الناشط، عزيزتي الناشطة.. هنالك فرق بين أن يكون لك الحق في التعبير عن رأيك في اللحظات العادية، وبين اللحظات الحاسمة والمفصلية..
هنالك فرق بين أن تدين الحرب واستمرارها في لحظات تمثل متاهات معقدة واستنزافا للجميع، والثمن يدفعه الأبرياء، وبين أن تدعو لإيقاف حرب سوف ستنهي عدة حروب قادمة، لأنها حرب فاصلة، وليس متاهات حروب عبثية.
التقليل والاستنقاص من معركة وطنية في لحظة وطنية فاصلة، في مرحلة أكثر تعقيدا مر بها الوطن، وتغليب الأحقاد والمصالح الصغيرة على القيم الأخلاقية والمصالح الوطنية العليا، هو فرار يوم الزحف وخيانة للضمير والقيم، بنفس الوقت كذلك هو التبرير للتوحش والانتقام وتقديس الأخطاء والجنوح نحو الأحقاد والتطرفات، والمبالغات بأنه بانتهاء سيطرة الحوثي ستنتهي كل أزماتنا، وسنجد أنفسنا بأزمات وتعقيدات وحروب لاتقل عن الحوثي.
دعونا نجمع كل قوانا ونستعيد قيمنا وروح الوطنية، لنتوحد في هذه المعركة الوطنية الفاصلة، وبعد انهاء سيطرة الحوثي نعي بأن المعركة لن تنتهي فنحن ننتقل من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر. الجهاد الأكبر هو قدرتنا على ملامسة كل جراحنا لنغسلها بمطهر يقتل الميكروبات والجراثيم، فنصبر على آلام تضميد جراحنا، بمراجعة كل اخطائنا وتصحيحها.
نعاني من العديد من الأمراض، ومن العديد من التطرفات والمنطلقات الخاطئة، وكل هذا قادنا إلى أزمة اليوم.
التفكير بإنهاء الحوثي هي مسألة هزيمة عسكرية وحسب، هو أحد الأخطاء والمنطلقات الخاطئة، نفس المنطلق الخاطئ الذي يرى بأن مشكلتنا اليوم لاتستدعي وقوف الاشقاء معنا، وأنه بامكاننا حل المسألة مع الحوثي بدون أن نلحق به هزيمة عسكرية ساحقة.
لكي نصل إلى السلام نحتاج إلحاق الهزيمة العسكرية بالحوثي، وبهذه المعركة بالسلاح والقوة نحتاج لبعضنا البعض نحتاج للأشقاء، وبعد المعركة العسكرية نحتاج بأن نستمر بالجهاد الأكبر بالقتال ضد أخطائنا ومراجعتها..
لدينا علاقات غير سوية مع أنغسنا مع بعضنا البعض، مع جيراننا وأشقائنا، مع خصومنا وأعدائنا، كل هذا يحتاج للمراجعات والتصحيح، فليس أمامنا إلا أن نتحلى بالوطنية والشجاعة لخوض معاركنا بكل ما تتطلب منا كل مرحلة وكل قضية، محاولين الحفاظ على الاتزان بكل ما أمكننا.