أتلفت الحرب حواسنا، ودمرت ذائقتنا، وغيرت تفكير أغلبنا نحو الأسوأ، وعمقت الانهيارات المتوالية بؤس الحياة، وعززت المواجع غربة الذات.
وتسبب ثالوث التجويع والتخوين والتنكيل في خضوع المجتمع للأمر الواقع، ومع مرور الوقت وتعاظم مآسي الحياة ترسخت لدى أغلبهم قناعات بالصمت وانتظار المعجزات.
لقد تمكن أمراء الحرب وتجارها من إيصالنا إلى قاع الهاوية، وأشغلونا بصراعتنا عن جرائمهم، وماضينا عن حاضرهم، وجوعنا عن أطماعهم، وأمراضنا عن خبث مشاريعهم.
لم يعد لدينا شيء نخسره أو نخاف عليه، لقد تساوى الفقراء مع الأغنياء، والأنقياء مع الملوثين، والشرفاء مع التافهين، والعقلاء مع الدهماء، وتشابهت النهايات التراجيدية.
والأسوأ من انعدام المسافات بين الخير والشر والحق والباطل تغلغل اليأس إلى النفوس، واستسلام الناس لمنطق الغلبة، والتعايش مع جبروت جماعات الموت ومشاريع الخراب.
ويظل الأشد وجعاً للفرد والأكثر خطراً على المجتمع العجز عن الفعل والخوف من مواجهة التحديات بروح جماعية تنتصر للذات وتنقذ الشعب من شرور القتلة وجشع اللصوص.
سيطول هذا الوضع المائع والقاتم بحكم عجز الناس عن اجتراح حلول ناجعة للخلاص الفردي والجمعي، واستمرار تهربهم من التضحية للحفاظ على مساحات البقاء وممكنات الحياة.
السؤال الأهم: متى يستفيق الشعب من موته المؤقت، ويعيد النظر إلى واقعه المزري، ويتخلص من أغلاله ويحطم قيود أعدائه ويعود إلى مربع الفعل الخلاق؟