فاروق الكمالي

فاروق الكمالي

تابعنى على

على البنك المركزي وقف تدخلاته في سوق الصرف

Saturday 01 December 2018 الساعة 08:56 am

تشهد العملة اليمنية تحسناً مستمراً، لكن مع بقاء التضخم مرتفعاً، والأرجح أنه تحسن "خادع" و"مؤقت" وغير حقيقي، قد يكون نتيجة إجراءات معينة، لكنه لم ينتج عن معالجات اقتصادية حقيقية، وتزداد الحيرة عندما يتراجع سعر صرف الدولار إلى 450 ريالا يمنيا بالسوق السوداء، في مفارقة عجيبة؛ أن يكون سعر الصرف في السوق الموازي أقل من السعر الرسمي للبنك المركزي والذي يبلغ 548 ريالا للدولار.

في اعتقادي، أفضل قرار اتخذه البنك المركزي خلال الحرب هو تعويم العملة وتحرير سعر الصرف ليصبح خاضعاً للعرض والطلب، وتدخل البنك المركزي حالياً لفرض استقرار الريال، سياسة خاطئة ستنعكس لاحقاً في موجة تراجع جديدة للعملة المحلية أمام العملة الأمريكية.

وربما يدرك خبراء اللجنة الاقتصادية والبنك المركزي، أن إصدار نشرات متتالية بسعر الصرف عن البنك المركزي سياسية غير مجدية وغير سليمة، وسيكون لها انعكاسات خطيرة، لكنهم يبحثون عن نجاح "مؤقت" لرئيس الوزراء الجديد المدعوم من دول التحالف.

من العبث أن يعلن البنك عن رفع سعر الصرف إلى 585 ثم يواصل خفضه تدريجياً إلى 570 ثم إلى 548 ريالا للدولار، ثم تكمل مطابخ الصرافين المهمة وتنشر تعميما مزيفا بخفض السعر إلى 520 ريالا للدولار، ثم تعميما آخر مزيفا اليوم الخميس بخفض استثنائي لسعر الصرف إلى 380 ريالا للدولار.

البحث عن نجاح "مؤقت" سيقود إلى سلسلة من الفشل لاحقاً، وستكون عواقبها كارثية، وليس هذا ما يرجوه المواطن من الحكومة، والأمل أن يتم العمل على تنشيط مصادر النقد الأجنبي، بدلا من حقنات التخدير، لا تنخدعوا بنجاح زائف، ومن يهلل لانجازكم اليوم سيلعنكم غداً.

يبيع البنك رصيده من العملة الأمريكية للتجار بأقل من قيمتها الحقيقية، في إطار تغطية الاعتمادات لواردات السلع الأساسية، والمرجح أن تخفيض سعر الصرف لن يساعد 'المركزي" في السيطرة على ارتفاع أسعار السلع التي تشهد موجة تضخم خرجت عن السيطرة، ويعتبر التخفيض الجديد لبعض السلع بعد التحسن الأخير لسعر الريال، طفيفاً مقارنة بالارتفاع الكبير سابقاً.

ولست أدرى من خبراء البنك، لكن من وجهة نظري كان على البنك أن يمارس دوراً رقابياً وإشرافياً، وأن يجتهد في استعادة وظائفه في رسم السياسة النقدية، وأن يختار تعويم العملة ويترك للسوق تحديد سعر الصرف وسعر الاعتمادات المستندية.

جزء كبير من أزمة الريال منذ عدة سنوات، كانت نتاج سياسات سابقة تتعلق بتقييم العملة المحلية بأكبر من قيمتها الحقيقية وسعرها العادل، حيث كان الريال يعيش وهم الاستقرار لأسباب سياسية وبفعل تدخلات البنك المركزي، وربما أن البنك يعيد حاليا نفس السياسات الخاطئة باعتماد سعر رسمي للريال أكبر من قيمته الحقيقية المرتبطة بعوامل الاقتصاد.

واليوم يعيش الريال وهم الاستقرار "الخادع"، وأخشى أن تفتح تدخلات البنك المركزي لفرض استقرار العملة أبواب الفساد، وأن تكون مجرد "مصيدة" لنهب تحويلات المغتربين و"لعبة" تراكم أرباح المضاربين، وأخشى أن التخفيض المستمر لسعر صرف العملات الأجنبية، قد يؤدي الى تراجع التحويلات التي باتت أمل اليمنيين الأخير وأهم مورد اقتصادي في ظل الحرب.

ليست كارثة أن يصل سعر الصرف إلى 1000 ريال للدولار، هذه مشكلة يمكن مواجهتها في إطار الاقتصاد وبمعالجات اقتصادية، لكن الكارثة أن ينخفض سعر الصرف في السوق السوداء إلى مستويات أقل من السعر الرسمي للبنك المركزي، وهذه ليست مصادفة بل فخ وضعه الصرافون للبنك.

وكان على البنك أن يترك تحديد سعر الصرف وفق العرض والطلب، وأن يتخلى عن مهمة إدارة سعر العملات وتحديد السعر، لأن تحديد سعر وهمي أقل من القيمة الحقيقية للعملة المحلية ليس سوى مغالطة من أجل تحقيق إنجاز زائف.

ذلك أن تحديد سعر الصرف يرتبط بعدة عوامل اقتصادية ولا يخضع للمزاج، وأول العوامل عائدات النفط التي كانت تمثل أهم مصادر النقد الأجنبي، وقد تراجعت الصادرات النفطية بواقع 90% حسب تصريح لرئيس الوزراء الجديد، والمنطقي وفقا لحسابات الاقتصاد أن تنخفض قيمة الريال بنسبة 90% عن قيمتها قبل الحرب.

تحسن الريال بشكل حقيقي ودائم، غير ممكن بدون مؤسسات سيادية موحدة، ولن يحدث إلا بتوقف الحرب وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى البعيد، وفي المدى القريب.

ويرتبط تحسن الريال أيضاً بتوحيد البنك المركزي ثم تفعيل مصادر النقد الأجنبي وأهمها: النفط والغاز المسال، والمنح الخارجية، والاستفادة من تحويلات المغتربين ومن أموال المنظمات الدولية وهي بملايين الدولارات ولا تزال تخدم الحوثيين كونها تتم عبر بنوك تجارية في مناطقهم وليس عبر البنك المركزي.