مروان الجوبعي

مروان الجوبعي

تابعنى على

الوحدة.. رفات في كيس نفايات

Wednesday 26 December 2018 الساعة 07:42 pm

عشت وحيداً لأكثر من عام دون أن يشاركني أحد.. لا زملاء العمل يعرفون تفاصيل عن حياتي الشخصية، ولا أصدقائي أيضا يعرفون عن أماكن تواجدي أو سكني وأين أقضي أيامي. حتى من يعرف -وهم قلة- لن ينتبه لغيابي.. لأن غيابي أمر طبيعي وأنا كائن غير اجتماعي، لا أحب الحضور الدائم بل أفضل الغياب والعزلة أكثر.

كنت أستمتع بعزلتي كما ينبغي.. وأعيش حياتي بهدوء وطمأنينة كما أردت لها أن تكون.. أعيشها بمنتهى البساطة وبلا أي تكلف.. كما هي عاداتي.

الغرفة التي كنت أسكنها، آنذاك، كان يوجد فيها سرير واحد، وفرش واحد، وبطانية واحدة، وقطعة مجلس عربي واحدة، وفنجان واحد، ووسادة واحدة، وحقيبة ملابس وحيدة، والحقيبة اليتيمة دائما تكون في حالة تأهب واستعداد. كل الأشياء كانت تشبهني.. مفردة، وحيدة بلا شريك من نفس النوع. هذا بالإضافة إلى كتبي المبعثرة على الأرض، وجهاز "كمبيوتر" قديم، وطاولة شبه منتهية.

كنت أشعر أنني إنسان مهدد بالرحيل، لم أكلف نفسي بشراء قطعة سجاد لأحمي بها قدميَّ من صقيع الشتاء بل تعايشت مع بلاط الأرضية وكأنني بصالة مطار أنتظر رحلتي القادمة.. هكذا كانت الغرفة توحي إليّ وكأنها قاعة انتظار وأنا عابر سبيل.. الأرضية بلا سجاد، النوافذ بلا ستائر، الجدران مهملة بلا أدنى اهتمام.. لا توجد فيها لوحة ولا صورة لي أو لأي أحد آخر!

ذات يوم بالخطأ زارني أحد أصدقائي وبقي معي ليلة واحدة فقط.. حينها أدرك أن الغرفة معدة لشخص واحد، وأن إعدادها على ذلك النحو مقصود ولم يكن من فراغ. ليلتها نمت أنا على قطعة المجلس العربي الوحيدة بلا رداء، بينما نام هو على سريري الوحيد وتغطى ببطانيتي الوحيدة ولأنه لم يشعر بالارتياح غادر صباحا ولم يعد.

هكذا كانت حياتي كما خططت لها أن تكون.. كانت بسيطة وهادئة بعيدة عن الضجيج والصخب الاجتماعي الذي يضاعف قلقي ويفقدني لذة الشعور بالعزلة!

ذات ليلة استلقيت على سريري محدقا في المروحة المعلقة بالسقف، وأخذت أفكر بكل شيء، لحظتها تذكرت نفسي المنسية التي نسيتها حتى أنا، تذكرتها وقلت "ماذا لو باغتني الموت الآن؟ لن يسأل عني أحد وحتى إن سأل أحدهم لن يصل إليّ أو يعرف مكاني!".. لكنني ضحكت بعدها عندما تذكرت صاحب العمارة الذي سيأتي برفقة المستأجر الجديد ويركل الباب لتدلهما الرائحة القذرة على رفات جسدي، عندها سيضعان أيديهما على أنفيهما ويطلبان الشرطة للنظر بهذا الحادث العرضي، وبعد الإجراءات اللازمة تأمر الشرطة بتعبئة الرفات في كيس نفايات ثم يتم دفن تلك النفايات البشرية وانتهى كل شيء!

*من صفحة الكاتب علی (الفيس بوك)