ما الذي يحدث في اليمن بالضبط؟ وليش أصبحنا على هذا الحال من الشتات والتمزق والفرقة وانفراط العقد الاجتماعي بين أبناء البلد الواحد، بينما أصبحت كل جماعة من أطراف الحرب الدائرة في البلد تدفع الثمن من رصيد سمعتها وعلى حساب حياة شعب مورط بسوء ما فعله به الكبار الذين يعتقدون بأنهم على صواب، بينما هم في حقيقة الحال عميان يفتقرون إلى الحكمة والتدبر الجيد والسليم، وطال الزمن أو قصر فإن كل جماعة لن تحصد إلا ثمار ما زرعته بين الناس حلواً كان أو مراً.
أيش استفاد الحوثيون من انقلابهم المسلح على السلطة والدولة وقد أصبح غرماؤهم في الداخل الآن كثراً، بسبب ممارساتهم وعنجهيتهم واعتقادهم بأنهم من سلالة منتقاه اصطفاها الله لحكم البلد فيما هم في نظر عامة اليمنيين مجرد عصابة انقضت على بلد كسير تحت مبررات سمجة اتضح أمرها بسهولة وأرادت أن تحكم الناس بالقوة، وعندما يتعافى البلد ذات يوم لن يكون هناك للحوثيين فيه غير ما زرعوه بأيديهم، وهذا قطاف مرير لن يحسبوا حسابه الآن وهم في نشوة الجاه والنفوذ والسلطة.
وايش استفادوا الإخوان وحزب الإصلاح وقد عرف الناس مواويلهم وعايشوا كذبهم المستمر وبانت الاعيبهم ولدى الناس تجربة مريرة معهم منذ 11 فبراير وما فعلوه بها عندما جيروا أحلام الشبان الأبرياء لصالح أجنداتهم وجعلوا من أنفسهم سلطة ثورية أقصت وهمشت كل المشاركين معها، ولم يلبثوا كثيرا حتى أصبحوا جماعة خارج السلطة وأصبحت لديهم الآن مظالم ومساجين وأمور شائكة في جبهات الحرب التي يقولون بأنهم يخوضونها في سبيل استعادة الدولة ويفرضون على شركائهم في الجبهات نفس تلك الممارسات ومحاولات التهميش ولا مؤشر حقيقي في الميدان يقول بأنهم استفادوا من الدروس ولن يحصدوا في المقابل غير ما زرعوه.
وايش استفاد المؤتمر الشعبي العام من تحالفه مع الحوثيين غير أنهم كانوا حزب الجماهير العريضة وحزب السلطة لأطول فترة في البلد أصبحوا في غفلة من الزمن مثل فص ملح ذاب بسرعة بين حليف مبندق استفاد من جماهير المؤتمر الكبيرة ومن قادته العسكريين وصار يتعامل مع المؤتمر بفوقية واستكبار كما أصبح المؤتمر نفسه حزبا متعثرا حبيسا عديم الفاعلية والتأثير في الداخل وأسير إرادات ملخبطة بين أعضائه المشتتين في الخارج ولم يجن هذا الحزب الكبير العريق من هذه المحنة الكبيرة غير ما زرعه.
وايش استفادوا بقية الأحزاب في اللقاء المشترك مثل الناصري والاشتراكي والبعثي غير أنهم شاركوا بطريقة او بأخرى في جعل الساحة السياسية في البلد وحلا غائرا وعويصا مقابل شراكة منقوصة قائمة على الاستقواء والكذب والحيل ومهددة على الدوام بالفركشة تماما كما تفركش حال البلد بأكمله في ظرف وجيز.
وايش استفادوا السلفيين وبقية الجماعات الدينية التي تخوض الحرب بعقائد تحمل الكراهية والضغينة للآخرين، وذلك نتيجة طبيعية حتمية على كل حال لحقبة زمنية مرت بلا تعبئة وطنية خالصة وكانت مليئة بالكراهية والأحقاد وخصومات السياسة اللئيمة، وما نعيشه في البلد الآن حصاد ما زرعه الساسة والعسكر ورجال الدين في هذا البلد المنهك والمتعب والكسير.. ولا أعرف متى سنتعظ أو نستفيد من التجارب... وعاد المراحل طوال فيما يبدو.