أتذكر الآن أغنية "جيشنا يا جيشنا" التي كانت تبثها قناة صنعاء زمان واحنا صغار، وأشعر بالحسرة على لحظات الزهو القديم التي كانت ترافقنا أثناء مشاهدتنا لأي عرض عسكري لـ"جيشنا"، وفي عيوننا أحلام بأن نصبح ذات يوم، عندما نكبر، فتياناً بين تلك الصفوف.
أتذكر، أيضاً، كيف كنا واحنا صغار نختار لأنديتنا الرياضية في الحارات أسماء من ألوية الجيش كـ"العمالقة" و"الصاعقة" و"المغاوير"، وكانت فرحتي بمشاهدة أي ضابط يرتدي البزة العسكرية الخاصة بلواء "الصاعقة" أكثر ألف مرة من فرحتي بمشاهدة أفلام "رامبو" في سينما قصر بلقيس الجحملية.
أتذكر الآن صور الرئيس "السلال" وهو يرتدي البزة العسكرية وعلى رأسه بريه عسكري "صاروخي" الشكل، كانت مشاهدته تشعرني وأنا صغير بأنني أشاهد رأس مكوك فضاء مش مجرد رأس آدمي كان له فضل البدايات الأولى في تأسيس جيش نظامي باسم اليمن.
أتذكر، أيضاً، كيف أن أمي، رعاها الله، اشترت لأخواتي "الثنتين" ذات عيد قديم منتصف الثمانينيات بزتين عسكريتين مع قبعتين عريضتين كتلك التي كان يظهر الشهيد إبراهيم الحمدي وهو يرتديها واقفاً كـالطود وكفه ممدودة على جبهته مؤدياً تحية عسكرية دخلت إلى كل بيت، آنذاك، وأصبحت -فيما بعد- هواية لدى جيل من الـ"بنين والبنات" الذين كانوا يرتدون البدلات العسكرية في الأعياد ويلتقطون الصور التذكارية وهم ضاربين نفس التحية الخالدة.
أتذكر، أيضاً، أنه كان يوجد لدينا في الجنوب، قبل الوحدة، جيش مُهاب ويتمتع بعقيدة قتالية محترمة وبانضباط عسكري غير ملطخ بنهب أراض أو تباب، يخالط ذلك الجيش المهاب وحدات قتالية من النساء في تشكيلات عسكرية يرتدين الميري الأنيق، وأزداد حسرة وأنا أتأمل الآن كيف ضاع منا كل ذلك البهاء! وكيف أصبحت البدلة "الميري" الآن، بسبب ممارسات ثلة من القادة "السٌخاف"، حاجة مش ولابد، ذلك لأنك لم تعد تنظر إلى جيش وطني بقدر ماتنظر إلى كيان متعب وممزق وإلى مؤسسة عسكرية تناتفوها الجن من كل شق.
أتذكر بأنه كان لدينا، وحتى وقت قريب، "حرس جمهوري" مُهاب ومرتب ومؤهل ويقوم على عمل مؤسسي بالغ الدقة ولكنه تعرض إلى هيكلة لئيمة لم تكن عينها مركزة على "أحمد علي" بوصفه قائداً لقوات الحرس، قدر ما كانت مركزة على تفكيك تلك القوة تحت دواعٍ سمجة أقلها أن بقاء قوات الحرس الجمهوري يعني بقاء الرئيس صالح في سدة الحكم.
ذهب صالح واختفى أحمد علي من المشهد وتدمرت ألوية الحرس الجمهوري، وأصبح لدينا الآن أكثر من جيش، وأكثر من عقيدة قتالية، وأكثر من "مُعرّص" يتحدث باسم الولاء للوطن، بينما الوطن قد ذهب إلى خراب كبير نتيجة اللعب بأهم مؤسسة وطنية يعول عليها دائماً في بناء الأوطان المتعافية، ووطننا اليمني اليوم عليل وحالته حالة، وأشعر كمواطن يمني بالحسرة وبالألم الكبيرين على ضمارنا الوطني الكبير.