فكري قاسم
لازم نحرّر فلسطين غصبَاً عن الفلسطينيين أنفسهم!
قال وزير إعلام الحوثيين في مسيرة المزايدة على خالد اليماني، إن جماعته لن تتنازل عن موقفها في محاربة إسرائيل، حتى لو تنازل الفلسطينيون أنفسهم عن ذلك!يا غارتاه.. يا لطيف.. يا ساتر..!
يعني حتى لو قال له الفلسطينيون "يا أخي خلّ حكومتكم أولاً تُرجِّع ضوء الكهرباء للمناطق التي تحت سلطتكم، واصرفوا للناس رواتبهم، ونظفوا القمامة من شوارع العاصمة".. سيقول لهم الوزير الباشت "مشو عليكم هذا، احنا في اليمن شعب كل واحد يدبّر نفسه، وما يدوروا مننا لا كهرباء ولا رواتب ولانظافة، وما يشتوا إلا نحرركم من الصهاينة".
وحتى لو قالوا له "يا أخي، حُج عن فرضك، وشُف الحالة التي وصلت إليها اليمن في عهدكم من تفتُّت وحروب ودماء".. سيقول لهم الوزير البطل "ما عليكم مننا، احنا اليمنيين وآلفين الجعيث، وما بلا وإلا نحرركم من الصهاينة، وأهم شي أنتو يانظر".
وحتى لو قالوا له "يا أخي عدد المساجين الفلسطينيين في إسرائيل أكثر من عدد المواطنين اليمنيين المحبوسين في سجونكم"، لن تهتز له صلعة وسيقول لهم "احنا مش حابسين لهم ياضاك، ما غير بنوالفهم لكم منسب نحرركم بهم".
وأي فلسطيني يقول له "يا أخي اهتم ببلادك أولاً ومالك دخل من بلادنا".. سيقول له "كيف نفلت فلسطين والقرآن يقولنا مابلا وإلا نحرركم؟ أين نسير من كلام الله؟!". وحتى لو قالوا له "الإخوان المسلمين والسلفيين والقاعدة كلهم يقولوا إنهم متمسكين بكتاب الله وكلهم مترسين وراء القضية الفلسطينية، وهم والكل يشتوا يحررونا من الصهاينة".. سيقول لهم الوزير الباشت "ما شي.. ما شي، هولا كلهم ما يسووا بصلة.. احنا جدنا رسول الله.. واحنا المسيرة القرآنية.. واحنا القرآن الناطق.. واحنا النطفة المقدسة، وما بلا وإلا نحرركم إحنا وبس، ومش أي مخلوق غيرنا، وإلا حرام ما تنزل طبَّه ولا يتحرر من فلسطين شبر".
الواضح أن وزير إعلام الحوثيين جاهز جداً لتحرير فلسطين، وأن ما يعطل ويؤخر المسألة هو أن هناك فلسطينيين متراخين صراحة وما بش عليهم ركانه، ويحتاجون إلى دورات ثقافية في صعدة يقرأون خلالها ملازم حسين بدر الدين الحوثي، وينضمون إلى المسيرة القرآنية منسب يشتحطوا، وينضمون إلى مسيرة رجال الرجال منسب يحرروا بلادهم من المحتل الغاصب تماماً كما حرر الحوثيون اليمن من اليمنيين، وأحالوا البلاد التي وقعت بين أيديهم إلى خرابة في سبيل محاربة أمريكا وإسرائيل!
ولا يبدو أن الأمر مزحة، لا.. لا، واضح جداً أن زوال الاحتلال الصهيوني على يد الحوثيين بات قريباً غصباً عن الفلسطينيين انفسهم، وأن ما يؤخر ويعطل ذلك التحرير المرتقب مجرد بعض الإشكالات الفنية المتعلقة بإصلاح سيارات البيجو في فرزة صنعاء فقط، إذ لا يزال السائقون منهمكين حتى هذه اللحظة يصلحوا المكاين ويتفاقدوا السيارات التي يفترض بها أن تنقل المجاهدين من صنعاء إلى تل أبيب.
ولماذا سيتوقف الحوثيون أصلاً عن محاربة إسرائيل البعيدة طالما وأن الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي المسكين الذي يهتف خلفهم دون أن يعرف بأن الحكاية وما فيها مجرد حرب كلامية من داخل الأراضي اليمنية التي تعيش بسبب انقلابهم البائس ظروفاً أسوأ ألف مرة من ظروف الفلسطينيين الذين يعيشون تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي!
ولقد حشد الإخوان الجماهير الغاضبة من قبل إلى الشوارع؛ للمطالبة بتحرير فلسطين، حاملين نفس الخطاب الديني، ومتكئين على نفس الآيات المُحكمات من ذات القرآن الكريم الذي يلوكه الحوثيون الآن، كما لاكه كل الذين حرّروا فلسطين من قبل! على أن كل الشواهد والوقائع على الساحتين العربية والإسلامية عموماً تؤكد، بصراحة ووضوح، أن فلسطين أكبر قضية متروكة للمزايدة السياسية، وأوسع باب مفتوح لاستعراض خرافة القوة، كما أنها الطريق السهل لتمييع مطالب الناس المتعلقة بتحسين ظروف حياتهم اليومية.