هناك أنشطة أخرى يقوم بها رجال دين معينون داخل الجوامع غير الصلاة والعبادة والاستغفار طبعاً، وهي أنشطة مرحب بها من المجتمع، وتلقى الدعم والتشجيع من الأفراد، ويسخر لها المال والجهد والوقت، ولا أحد يراقبها بالمطلق، على الرغم مما قد تسببه تلك من أذية للمجتمع.
هناك داخل الجوامع وفي الحوزات الخاصة حلقات يومية للدروس يستقطب إليها الأبرياء، وتقام بشكل مستمر تحت ستار التفقه في الدين وحفظ القرآن الكريم، وهي في واقع الحال ليست كذلك، ولا فيها تفقه ولا تدبر لآيات القرآن، وغالباً ما تكون مجرد مصائد محكمة لتعبئة رؤوس الشبان والصبيان، الذين يرسلونهم أهاليهم الطيبون إلى الجوامع لتعلم الأخلاق الحميدة ومحبة الله والناس، بأفكار مشوهة عن الله وعن الدين وعن قيم الإسلام الحنيف.
الطريق إلى الجوامع عادة يومية حسنة يقوم بها الناس خمس مرات باليوم الواحد في سبيل العبادة والاستزادة بكل ما هو حسن ومفيد لحياة الإنسان، وتلك هي المهمة التي يفترض بالمساجد ودور العبادات أن تقوم بها.. ولكن الذي بات ملاحظاً أن أبناءنا يذهبون إلى حلقات ودورات ثقافية تقلب كياناتهم وتجعلهم يعودون إلى بيوتهم وأهاليهم وحاراتهم ومجتمعاتهم الصغيرة معبأين بأفكار ناسفة لكل شيء، ولا تنسجم أبداً مع قيم الإسلام الحنيف الذي هو في الأساس دين الرحمة والتعايش.
أطراف عدة داخل البلد تستغل الجامع لصالح أفكارها الخاصة، وتجعل من أنشطة الجوامع ودور العبادات وسائل ميسرة للاستقطاب الحزبي والطائفي.. وشاهدنا، وبشكل واضح وملموس، نماذج كثيرة لما أفرزته وقائع تلك الحلقات والدروس والدورات الثقافية التي تقام هنا وهناك لصالح هذا الطرف أو ذاك، وكيف أنها غسلت تماماً رؤوس الشبان والصبيان، وسببت لهم العمى الذهني، وجعلت منهم في واقع الحال طاقات جاهزة للقتل والتدمير تحت مبررات الجهاد وحماية الدين والفوز بالجنة المأمولة!
هل توجد داخل حلقات الدروس أو في أنشطة الدورات الثقافية التي يستقطب إليها الشبان والصبيان ما يعلمهم أفكاراً إيجابية يستفيد منها المجتمع كإماطة الأذى عن الطريق، ونظافة الحي من القمامة، وغرس قيم المحبة والبناء والإنتاج والتسامح؟ إن كانت موجودة ومتوفرة فلماذا نحن على هذا الحال من الحروب الدينية بين الطوائف التي تتسابق للسيطرة على الجامع؟ وأين هي رسالة المحبة التي يفترض بدور العبادة ورجال الدين أن يوصلها بأمانة إلى قلوب وعقول وأذهان المجتمع المسلم أصلاً؟
ما جناه مجتمعنا اليمني المسلم بالفطرة أساساً من تلك الحلقات والدروس والدورات الثقافية أن هناك شباناً وصبياناً أبرياء لعائلات طيبة يذهبون بشكل مستمر إلى محارق الموت اليومي تحت مبررات مقدسة لا تغني ولا تشبع من جوع ولا أفادت المجتمع بشيء غير أنها خربته وجعلتنا أمة تقاتل بعضها.. وذلك هو، على أية حال، حصاد الجوامع التي لا رقابة عليها ولا حسيب.