▪الحركة الحوثية هي مشروع إمامة من أول وهلة. وحتى لو افترضنا أن عبدالملك الحوثي لم يكن ينوي أن تجري الأمور هذا المجرى، وحتى لو كان الرجل يرغب في التوقف عند نقطة معينة، إلا أن إرادته كانت قد فقدت أهميتها بمجرد انصهارها في إرادة مجاميع من الهاشميين الواعين لأنفسهم عرقياً ومذهبياً، والمتضامنين سياسياً على أساس النسب، بعد أن هبّوا من هذا المنطلق للالتحاق بحركته لاستخدامها رافعة لطموحاتهم وأحلامهم. وعند إضافة إرادتهم وتذويبها مع إرادة زعيم الحوثيين فإن المحصلة الحتمية هي الإمامة وذلك امتثالا للآمال التي توحي بها ذاكرة هذه المجاميع وخبرتهم العريقة وخيالهم التاريخي وتكوينهم المعرفي والنفسي الذي يلهمهم فكرة الاتحاد مناطقياً مع اليمن الأعلى ومصادرة صوته وانتحال إرادته بالقوة والغلبة وإعادة ترتيب هذا النطاق وتجهيزه للقيام بدوره القديم كمعقل لإمامة العلويين. وإضافة إلى كل هذه العوامل كان هناك الإغراء الهائل الذي كان يمارسه فراغ السلطة والمناخ العام في البلاد عام 2014.
وكانت العملية الأكثر تناسخاً وتكراراً على لوحة تاريخ الألف عام تبدأ هكذا: انقسامات اليمن الأعلى تنجب الإمامة والإمامة تصبح قوة انقسامية مع اليمنات الأخرى، وهذه الانقسامات مجتمعة تنجب التدخلات الأجنبية.
وكان أبو بكر السقاف مُحقَّاً في ملاحظته بأن "مبدأ الخروج على الحاكم الذي يسمح بوجود إمامين في وقت واحد ما هو إلا الوجه الإيماني المذهبي لصراع مشايخ القبائل". وقد سبقه آخرون إلى ملاحظة هذه المسألة.
ويضيف السقاف قائلاً: "لو كانت الرابطة الدينية قائمة بين الإمام يحيى والقبائل لما ارتفع صوته مندداً بحكم الطاغوت الذي كان يصف به العرف القبلي، إنه يريد إقامة حكم المذهب الزيدي ومحو حكم الطاغوت".
وإذا اختفت كل الدلائل على إمامية الحوثيين، فستبقى "قلة العقل" دليلاً يومياً على ذلك. لاحظوا سكرتهم هذه الأيام بمناسبة مرور 4 سنوات على الحرب وخراب اليمن وتشرذمه وبؤسه. هذا ليس مدعاة للدهشة إذا ما علمنا أن الإمامة "تسكر بزبيبة"!
▪ينكر الحوثيون "إماميتهم" بنفس الطريقة الباهتة التي ينكر بها الإصلاحيون "إخوانيتهم". يقول الحوثيون نحن لا نسعى لإعادة الإمامة نحن جمهوريون، بينما في الواقع كل شيء يفعلونه ينطق بإماميتهم، وتشهد بذلك أدبياتهم ورموزهم ومناسباتهم ودوراتهم التثقيفية التي تتضمن "قسم الولاية"، وكذلك ملصقاتهم وشعاراتهم وعواطفهم وألقاب عائلاتهم.
ويقول الإصلاحيون، نحن لسنا إخوان مسلمين ولا نسعى لإعادة الخلافة، بينما في الواقع كل شيء يفعلونه ينطق بإخوانيتهم، وتشهد بذلك كتبهم التثقيفية ورموزهم وعواطفهم وتحيزاتهم المصرح بها أو المضمرة، علاوة على آلاف المنتمين لهم الذين أقسموا البيعة الخاصة بجماعة الإخوان.
ربما يقصد الحوثي بقوله إنه ليس إمامياً، بمعنى أنه لا ينتمي إلى آل حميد الدين، ولكنه إمام من فرع آخر. بهذه الطريقة فقط يمكن اعتباره صادقاً فيما يقول.
والإصلاحي إذا كان يقصد أنه ليس من إخوان مصر ولكنه إخواني يمني، ففي هذه الحالة فقط نستطيع أن نصدق قوله بأن الإصلاح وتنظيم الإخوان ليسوا شيئاً واحداً.