عملياً، لا قيمة في الوقت الحالي لأي تشكيلات وتحالفات سياسية كرنفالية يجري تلفيقها في اليمن، برعاية سعودية، بين قيادات ونخب حزبية وكيانات تنتمي إلى نَسَق السياسة الآفل والمُبَاد، النسق الذي كان قائماً في إطار الدولة الجمهورية اليمنية في الزمن السابق للحرب والانهيار.
الحقيقة هي كالتالي:
بعد استشهاد الرئيس صالح، لم يعد هناك تأثير سياسي فعلي لحزب المؤتمر على الأحداث.. الإصلاح أيضا، منذ 2011، أنهى شخصيته كتجربة حزبية كانت في مراحلها الأولى، وعاد متقهقرا إلى وضعه القديم كتنظيم سري (باطني بتعبير نبيل الصوفي) للإخوان المسلمين.. أما أحزاب مثل الاشتراكي والناصري فإنها فارقت الحياة في وقت مبكر قبل الحرب بكثير.
الغريب أن رهانات السعودية ممثلة بسفيرها في اليمن لا تزال تقتصر على:
1) رعاية حكومة شرعية وهمية، بل إنها الآن وهمية أكثر مما كانت عليه قبل 3 أو 4 سنوات، بعد أن خسرت تدريجيا إمكانية العودة إلى المناطق المحررة لممارسة سلطتها.
2) قيادات ونخب سياسية تشترك، غالبا، في كونها باتت مقطوعة الصلة بالوقائع على الأرض، فهي حتى لا تجرؤ على الذهاب والعيش في المناطق والمدن التي تحصل باسمها على حصص ومراكز قيادية في دولة هادي، الدولة التي هي أقرب إلى أن تكون رسما أو تخطيطا في الفراغ!
ما هذا الولع السعودي بقوائم المتقاضين للأجور والمخصصات الضخمة مقابل ألقاب ومسميات رنانة لأشخاص يعجزون عن تحريك نملة؟ لا بأس إذا كانت السياسة السعودية في ملف اليمن تجمع، إلى جانب هذا النمط الناعم من شراء النفوذ ورعايته، نمطا آخر أكثر ديناميكية وواقعية، بحيث يتصل هذا النمط مباشرة بالحقائق والقوى المالكة لزمام الأشياء على الأرض بحكم الأمر الواقع.
الغريب أن المملكة تبدو وكأنها وضعت رهانها على نمط واحد من السياسة، هذا النمط الذي قوامه الإنفاق على كل من لم يعد يرتبط بالواقع الحي بأي رابط!
مثلا، هل يستطيع البركاني أو العليمي العودة إلى تعز؟ هل الطرق سالكة لعودة هادي إلى الجنوب؟ هل متاح للآنسي واليدومي ومحسن العودة إلى منازلهم في صنعاء أو الاستقرار في المناطق المحررة تعز والجنوب؟ ربما مأرب وهذا ليس مضمونا؟
إذا استمر الحال هكذا، فالتطورات في الواقع قد تنتهي بالسعودية في الأخير إلى التعامل مع ثلاث قوى رئيسية تتقاسم النفوذ على الساحة اليمنية كنتيجة من نتائج للحرب: المجلس الانتقالي الجنوبي والسلفيين، الإخوان وتحالفاتهم، الحوثي وتوابعه.
هل يمكن التقريب بين الانتقالي والسلفيين والفصائل المحسوبة على الإخوان، وتشكيل ائتلاف يواصل الحرب ضد الحوثي تحت أي مسمى؟
إذا لم يكن هذا ممكنا، فهل ستفتح المملكة، بشكل مباشر، مسارين سياسيين أحدهما مع الحوثي في الشمال، والثاني مع الانتقالي والسلفيين في الجنوب. على أن كل ما يمكن الخروج به من هذين المسارين لا يتجاوز التفاهم حول تثبيت مناطق نفوذهما عند الحد الذي هي عليه.
لكن تفاهماً على أي أساس وكيف؟ وماذا بشأن المساحات والكتل العسكرية الخاضعة للإخوان في تعز ومأرب؟
وماذا بشأن المكونات والفصائل الأخرى في الساحل الغربي؟
وسؤال كل الاسئلة: ماذا بشأن ذلك البلد الذي كان يدعى اليمن؟