د. عبدالودود مقشر

د. عبدالودود مقشر

تابعنى على

رمضان في تهامة

Wednesday 08 May 2019 الساعة 03:04 am

يبدأ رمضان فعلياً ليلة الإعلان عن رؤيته، وفي تهامة تشرئب الأعناق في اليمن نحو مدينة الحديدة، حيث رؤية الأهلة وخاصة هلال رمضان، وتكون إما في جبانة الحديدة أو على شاطئ البحر الأحمر، وغالباً تقوم بها أسرة علمية تولت الإفتاء فترات طويلة بالمدينة وهي أسرة الكرم.

فور الإعلان عن رؤية الهلال في تهامة، يعلن عن صلاة التراويح وهي رمز أساسي في تهامة واليمن، فلا رمضان بلا صلاة تراويح، ولعل اللذة الإيمانية والتذوق الروحي لا يتم إلا بتلك التهاليل والأذكار الجماعية كأنك أمام سيمفونية أبدية تنقلك لعالم آخر، الجميع يشترك في صياغتها عبر التناغم الصوتي التي ترفع الصوت وتخفضه عبر بُعد الكلمات وعمقها الروحي، كل ذلك قبل صلاة التراويح، وقبل كل صلاة من الصلوات الخمس وبعدها، ورغم تعرض الذكر الجماعي للمحاربة من قبل الفرق المتطرفة التي تدعي الإسلام خلال الخمسين السنوات إلا أنها وقفت شامخة وازدادت قوة وأصالة، ها نحن اليوم ما زلنا نحيي صلاة التراويح وما زلنا نحيي الذكر الجماعي.

بعد صلاة التراويح في تهامة، يبدأ العشاء، ومن ثم التوجه إلى المبارز والمنازل العلمية والأربطة لتناول القات وقراءة القرآن، وتسمى في تهامة هذه العادة الدينية بالراتب القرآني، ولا تقتصر على المنازل العلمية والمبارز والأربطة، بل تعم هذه العادة المنازل العادية والمحلات، وغالباً ما تكون القراءة ليس بجزء واحد فقط بل بعض الرواتب خمسة أجزاء في الليلة وبعضها أكثر وبعضها أقل، وتنتهي العادة في العشر الليالي الأخيرة من شهر رمضان، ويتم أيضاً في العشر الليالي ختم المساجد، فهناك مساجد تنتهي في ليلة العشرين من رمضان وبعضهم واحد وعشرين وهكذا حتى ليلة التاسعة والعشرين حيث ينتهي تماماً الراتب القرآني، والحقيقة أن هذه العادة تمتد إلى الدولة الزيادية، ويمكن أن تكون قبل ذلك، ولكن وجدت من الدول الزيادية ثم النجاحية والأيوبية والرسولية الدعم والاهتمام والرعاية، وهناك أسانيد حديثية تثبت عمقها التاريخي واستمرت حتى الآن.

ترى المجتمع يكتسي الإيمان في كل زقاقه وأحيائه وقراه، ويحتل رجل الدين مكانه المعهود وإن ازدادت نظرة المجتمع له في رمضان.

لكن أيضاً تنتشر ألعاب شعبية تهامية مثل لعبة (الطبا) أو (الجادية) وهي أشهر لعبة شعبية في تهامة برمضان وأدوات اللعب: "الجيد" هو عصا خشبية مدورة نصف قطرها بوصة واحدة تقريباً وطوله ذراع يد.
1)ـ "ذراع يدوي" وهو من نهاية أطراف البنان إلى نهاية المرفق ـ مديب من أحد الطرفين.
2)ـ طبايتان: والفرد "طبان" وهما متساويتان طولا وحجما. 
والطبابة: قطعة خشبية مدورة قطرها أصغر من قطر الجيد. وطول الواحدة شثر واحد "وهو من نهاية طرف السبابة إلى نهاية طرف الإبهام ـ وهي مدببة من الطرفين.
3)ـ "منحش"، "المنحش": وهو عصا خشبية رقيقة من أي نوع من الأخشاب، ولا يشترط أن يكون مدوراً في حالة التعذر وإنما يكون في الغالب مدوراً وهو الأفضل للعب، ولا يشترط أن يكون مدبباً من طرفيه. 
4)ـ تعمل في الأرض حفرة طويلة طولها أقل من "ذراع اليد" ومدببة من الطرفين وعمقها في الوسط قدر "5سم" خمسة سنتيمتر وتقل تدريجيا من الجهتين حتى تنعدم عند الطرفين ويشترط أن تكون الأرضية طينية أو رملية قوية ليست هشة حتى لا تهدم بسرعة أثناء اللعب. أما عرضها في الوسط فيكون نصف طول "الطبابه" أي "نصف شبر" ويقل تدريجيا من الجهتين حتى ينعدم عند الطرفين الأمامي والخلفي شكل السفينة أو القارب".

كيفية اللعب:
تنقسم مجموعة اللاعبين من سن الخامسة عشر إلى العشرين إلى قسمين متساويين في العدد متماثلين في الكفاءة.

يبدأ اللعب من قبل المجموعة التي حصلت على القرعة. حيث يقوم أحد هذه المجموعة باللعب كما يأتي: وهي المجموعة المرسلة يقوم اللاعب "بنحش" الطبابة أو الجادية وذلك بوضع الطبابة بالعرض على فم الحفرة "كخشبة السقف في أحد طرفي الحفرة بحسب قدرة اللاعب وخبرته ومهارته، ثم يضع طرف "المنحش" أسفل "الطبابة" ويدفعها إلى الأمام في اتجاه اللاعبين من المجموعة الثانية الذين يكونون موزعين في الساحة قربا وبعدا في كل الاتجاهات لاستقبال "الطبابة" ليلقفها أحدهم بيديه أو بيد واحدة وقبل أن تسقط الأرض فإذا لقفها أحدهم "مات" هذا اللاعب المرسل، أي انقطع دوره وانتهى لعبه ليبدأ غيره من زملائه، وإذا لم يلقفها أحد من المجموعة المستقبلة يضع اللاعب من"المرسل" "المنحش" فوق الحفرة عرضا في الوسط ويقوم أحد اللاعبين من المستقبلين ـ حيث يختارون أهمهم "تنشينا برمي الطبابة باتجاه الحفرة فإن ضربت في المنحش مات اللاعب المرسل، ويأخذ الدور صاحبه، وإن لم تصدم "الطبابة "بالمنحش" يواصل اللاعب المرسل لعبه كالتالي:

يقع "المنحش" جانبا، ويقوم المرسل بوضع الطبابة في طرف الحفرة الأمامي طوليا أو بأي من جانبي الحفرة للمحافظة عليها من الهدم، فيكون طرف "الطبابة " الأمامي مرتفعا عن الأرض ببروز واضح لأن طرفها مدببا جدا بالنسبة لسمكها ثم يضربها بالجيد الذي يكون ماسكا بيده أحد طرفيه وإذا انزلق الجيد من يدة "مات". فعندما تضرب الطبابة بالجيد ترتفع لأعلى فيضربها "المرسل" مرة أخرى في وسطها باتجاه اللاعبين "المستقبلين"، وفي أي اتجاه ولا يشترط أن تكون "الطبابة" أما فيه ويسمى العمل "طبا" والفعل "تطبى" يتطبى أي يقوم بهذه "العملية" وإذا لم يستطع ضربها أي رجل يقوم أحد المستقبلين بلقفها بيديه أو بيد واحدة، فإذا لقفها مات اللاعب المرسل وجاء غيره، وإذا لم تلقف، يقوم أحد المستقبلين برمي الطبابة، في اتجاه الحفرة فإن دخلت مات اللاعب المرسل وأخذ غيره الدور من مجموعته وكذلك إذا لم يتمكن وإذا لم تدخل في الحفرة يستمر هذا اللاعب "المرسل" في اللعب حيث يقوم "بالتزريق" والفعل من زرق يزرق وهو كالتالي:

يمسك اللاعب المرسل الطبابة الأخرى بيده اليسرى والعكس إن كان أعسر ـ ويرميها بخفة لأعلى أمامه ثم يضربها بالجيد في وسطها باتجاه اللاعبين المستقبلين ويشترط أن تكون أمامية ويمكن أن تميل قليلا ولكن في اتجاه تجمع المستقبلين فإذا لقفها أحدهم مات اللعب المرسل وأخذه الدور غيره من فرقته، وإذا لم تلقف يقوم برميها أحد المستقبلين باتجاه الحفرة فإن دخلت الحفرة مات اللاعب المرسل وأخذ الدور غيره وإن لم تدخل استمر فيتبادلون المواقع، وتقوم الفرقة الثانية ـ المستقبلة بالإرسال فإن لم تدخل في الحفرة يستمر في الطبا والتزريق ولا يعود للنحش ويقال إنه هكر والمصدر تهكير والمضارع يهكر، وهكذا حتى يموت فيأخذ الدور غيره من فرقته.

وهكذا حتى ينتهوا، ويكون وقت اللعب قد انتهى هذا في الأغلب وأحيانا قد يحين وقت انصراف اللاعبين ـ وما زالت الفرقة المرسلة تهكر المستقبلة ـ لشدة حرارة الشمس إذا كان اللعب صباحا أو لدخول الليل إذا كان اللعب عصرا. 
وهذه اللعبة من الألعاب المسلية والشيقة والشاقة تكان أن تنقرض.

تهامة في الصباح الباكر من الأيام الأولى لشهر رمضان، وغالباً ما يشترك في اللعب بعض من الكبار في الأربعين الهاوين والمجيدين لهذه اللعبة.