تتصاعد خلال الآونة الأخيرة حرب التصريحات بين الأمريكان والإيرانيين، وتحولت مؤخراً إلى تحريك قطع عسكرية وتهديدات، وتهديدات مضادة بين الجانبين، بالتزامن مع العقوبات التي فرضتها إدراة ترمب أيضاً، وموقفها الحازم تجاه من يحاول خرق العقوبات أو الالتفاف عليها بشراء النفط الإيراني أو مدها بالسيولة اللازمة من النقد الأجنبي، وكل تلك المؤشرات تفيد بأن هناك توجها واضحا بخنق نظام الملالي وأذرعه الإرهابية المتمثلة بالحرس الثوري وأدواته في المنطقة التي يعيث فيها الفساد والخراب والدمار تحت مسمى "تصدير الثورة".
وبالرغم من أن الحالة القائمة اعتدنا عليها في الوطن العربي -أي حالة الشد والجذب- الأمريكية الإيرانية، والتي باتت معظم الآراء تصف كل ما يجري بأنه لا يخرج عن اطار الحرب النفسية، مستبعدين أن تصل الامور إلى حد المواجهة المسلحة، ولاسباب كثيرة وأهمها انسجام الرغبة بين الدولتين في إشعال المنطقة العربية وامتصاص ثرواتها وجعلها مرهونة القرار ومسلوبة الإرادة.
لكني لست مع تلك الآراء، حيث -وحسب رأيي المتواضع طبعا- أن ما يجري على مسرح الاحداث يميل إلى احتمال تنفيذ الضربة العسكرية، خصوصاً في ظل الشطحات الإيرانية المتعالية وغير المدركة لواقعها المزري اقتصادياً وسياسياً، واستفزازها لحلفائها الأوروبيين يوم أمس من خلال ما صرح به رئيس إيران، فما يجري على الساحة ربما يؤكد على أن قرار المواجهة قد اتخذ فعلا، ولم يبق الا ايجاد السبب الذي سيتخذ كذريعة لتحديد ساعة الصفر، وتنفيذ المخطط، وما الزيارة الخاطفة لوزير الخارجية الامريكي والتقاؤه لأربع ساعات فقط مع المسؤولين في العراق، الا للتهيئة لعملية عسكرية وشيكة، فقط يتبقى كما قلت البحث عن ذريعة، فقد تحدث بومبيو للمسؤولين العراقيين بأن هناك معلومات استخبارية عن نية بعض أتباع الحرس الثوري من ميليشيات موزعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، للتعرض للمصالح الامريكية او حلفائها في المنطقة.
الحقيقة ان من يتابع تفاصيل تلك الازمة عن كثب يلاحظ ان الامريكان يستفزون الايرانيين بشكل دائم ومتزايد ويضغطون بقوة، وكأنهم يدفعون المسؤولين الايرانيين إلى الرد بطريقة واسلوب غير موزون، من اجل اتخاذ ذلك الرد غير الموزون كذريعة لتنفيذ الضربة المعدة سلفا والمشبعة بحثاً وتمحيصاً، وبشكل مفصل، والتي تهدف إلى ضرب مناطق استراتيجية معينة في الداخل الايراني، لتدمير قوتها العسكرية وشلها تماما، ودفع النظام إلى الموافقة على كل شروط امريكا ال12.
وما جعلني اتأكد من هذا الاحتمال، هو ان تهديد امريكا بالرد القاصم على اي تحرش بالقوات الامريكية (حتى وان اتى من خارج ايران) أي من الميليشيات التابعة لها والتي تعمل في اليمن (مثلا) ستتحمل ايران وزره وستعاقب بسببه، ذلك يعتبر سابقة، خطيرة.
حيث يكفي ان تحرك إيران عملاءها في اليمن لضرب واستهداف الملاحة الدولية في "باب المندب"، لتتخذها أمريكا بل والمجتمع الدولي ككل ذريعة لتنفيذ الهجوم، وهذا حسب اعتقادي ما سيحصل فعلا.
ثانياً، ان القوات المسلحة الامريكية والمتمثلة بالبوارج الحربية، وحاملات الطائرات، واخيراً ارسال خمسة من القاذفات العملاقة من طراز ب52، والتي سبق وان غيرت موازين عدد من الحروب الأمريكية نظراً لقوتها التدميرية لا يمكن ان ينظر اليها، باعتبارها مجرد تهديدات واستعراض قوة، بل بالتأكيد هي نشرت لتنفذ مهمة محددة، خصوصا انه لا يمكن اطلاقاً ان تكون قد جاءت للتمتع بمناخ الصيف في الخليج، لان تلك التحركات كلفت اموالا طائلة، ومن المستحيل ان تقنع دول الخليج بدفع تكاليف تلك التحركات دون ان يتم قلع مخالب التهديد الايراني بشكل كامل، هناك نقاط وامور ودلائل اخرى، لكني اعتقد ان الفكرة وصلت.
وأحب ان اختصر واختم بالقول: ان كل الدلائل تشير إلى أن صيف الخليج سيكون اسخن هذا العام مما سبقه، الا اذا شاء الله ان يهدي قادة ايران إلى منطق العقل، وان يفهموا حقيقة الامر الواقع ويتعاملوا معه كما يجب، رحمة بانفسهم وشعبهم، وأن يكفوا أذاهم عن بلاد العرب ويحاولوا التعايش بسلام وسلم صافٍ ونقي دون خراب وتخريب.