محمد الوشلي

محمد الوشلي

تابعنى على

الرئيس الراحل علي عبدالله صالح

Thursday 20 June 2019 الساعة 06:15 pm

 

رسالتي هذه ستكون طويلة إلى حد ما.. بل إنها طويلة جداً.. بكل تأكيد سوف تقرأها.. لأن الشيء الوحيد الذي لا ينقصك الآن.. هو الوقت.

هذه هي الأيام الطرطورة بحق وحقيقة..

وأنا هنا لا أتحامل عليها.. ولا أختلق ذريعة لمدح أيامك.. أو على الأقل أيامي المشتركة مع أيامك. أنا فقط أصف بشكل مباشر.. أتذكر.. كان هناك تلك السنوات اللطيفة.. وأقول إن السبب الرئيسي لكونها لطيفة، هو ما كنت أنا عليه بأمانة.. ورع منطلق... ولا أقصد بورع أني كنت كتكوتاً.. كنت أحلام النسخة الرجولية.. لاحظ معي أن أحلام تبدو نسخة رجولية أصلا... أنا نسخة رجولية من نسخة أنثوية تبدو رجولية.. دعك الآن من هذا الهراء.

الموضوع معقد..

في ذلك الزمن.. لم يكن لدي أسباب واضحة لمراقبة أداء الحكومة.. هذا لا يعني أنها عظيمة.. وأنك كنت عظيما... لا.. لا.. أقصد أن ذلك كان خارج اهتماماتي.. في العالم بأسره ينمو المرء.. ويعيش.. وينكح.. ويموت.. وهو ليس مهتما باسم الرئيس.. ولا بنزعات وزير الخارجية الجنسية.. فقط لعب وحب ونوم.

في هذه الأيام.. يمكن أن تجد طفلا في الثانية غارقا في التحديق على نقطة ما من حفاضته.. بينما هو يفكر بعمق.. بمآلات هذه الحرب.. لقد أصبحنا متورطين ويائسين تماما.

يوم كنت أنت الرئيس.. كنت أنا لا أزال طفيليا مرتاحا ولا يحب التفكر في كلام.. أو فهم كلام.. قد يصل طوله لسطرين مثلا.. لم أكن متأكدا أنك السبب في فشلي الدراسي المخزي... أو أن هناك أسبابا كبرى للفشل الدراسي.. ولم يكن بمقدوري اتهامك أنك تقف وراء تساقط الشعر.. أو أنك بطريقة ما كنت تؤدي لانخفاض لياقتي في منتصف المباريات التي كان يستضيفها ملعب الحارة.

كنت أسمع عنك كلاما.. وكنت غير مستوعب بعد وغير مهتم.. وهذا هو المفروض والمنطقي.. ربما كنت دكتاتورا كما يقولون.. لكن هذا الأمر لم يكن مهما جدا.. كانت الحياة قابلة لحدوث مفاجآت لطيفة.

في عام 2009م.. رغم أني لم أكن أي شيء قابل للملاحظة.. لدي شهادة ثانوية بمعدل راسب أصلا.. غورت قليلا.. فمنحني التلفزيون وظيفة.. بمعاش.. ورحلات خاصة وبدل سفر..

أرأيت.. كان هناك فرص.. نعم كان هناك لصوص لا حد لهم ولا نهاية.. لكن حتى هم.. كانوا منتشرين بيننا ويمكن تهبشهم... لاحظ الآن.. أن جميع اللصوص فروا بالبلد وأموالها.. وتركونا بدون لصوص يهبشون ويعطون المتهبشين.. تركونا مع شخص يغتصبك.. ثم يطلب منك شكره.. لأنه حماك من المغتصبين الآخرين.. باغتصابك أولاً.. وتفويت الفرصة عليهم.

أيضاً.. زمان.. كان هناك مجال لبعض النقاهة.. والتواصل مع بلدك بشكل معقول.

ذهبت إلى خليجي عدن في 2010م لابسا فنيلة ونكس فقط فوق باص مليء بالأريحيين من كل المحافظات... بحق السماء.. لو كان شعري طويلا حينها كنت لأكون أقرب لفتاة تسافر 400 كيلو متر لابسة البكيني لا تخاف إلا خالقها والذئب على غنمتها.

نعم كنت أسافر أينما أردت وحدي.. بدون بطاقة شخصية.. وبدون خوف.

ثم تغير كل شيء..

في يوم من الأيام.. انفجرت الثورات.. وأؤكد لك مجددا أنني كنت وقتها غير مهتم بزوالك أو ببقائك.. غالبية الشعب كان كذلك.. نحن انتظرنا ما سوف يحدث.. والغالب سنعانقه.. ونكمل السهرة.

خرج بعض الأصحاب ونصبوا الخيام في أحد ميادين ذمار.. والمدن الأخرى.. كما قلت لك.

مع الوقت بدأنا نتضرر قليلا.. لكن همس في الآذان بعض المتحذلقين.. وقالوا: الصبر.. سيكبر حجم الروتي. وبأمانة كان الروتي في زمنك بحجم معقول... لكن الثوار كانوا يروجون لروتي بحجم كبير.. ربما كانوا يقصدون أمرا مختلفا.

عموماً..

مع الوقت.. وبعد أن نصبوا الخيام.

اقتربوا من النصر..

فبدأوا نصب الفخاخ لبعضهم..

وفي النهاية انتصروا

لنكتشف أنهم بعد أن نصبوا الخيام والفخاخ

قاموا بنصبة جديدة.. لقد نصبوا علينا جميعا.

قامت الثورة الأولى.. وثورة أخرى.. ثورة بطعم العسل وثورة بطعم التفاح.. ثورة من الأمام وأخرى من الخلف... ثورات رفستنا بكل الوضعيات..

وخضعنا.. في النهاية خضعنا تماما..

أتعرف لماذا خضعنا أيها الرئيس الراحل..

لأننا وجدنا أنفسنا مثل ركاب فوق سيارة مسرعة جدا ويقودها رجل مجنون.. وجميعنا خائفون من تنحيته ورفضه.. حتى لا يترك المقود.. فيتسبب بحادث تصادم.

هذا ما تفعله الثورات.. تحاصرك في الزاوية.. تعانقك بلطف.. وتطعنك مباشرة في الظهر.

كل الثورات.. ستقوم.. ليعقبها بلاشفة ملاعين.. في كل مرة.. سيخرج المختلون الحقيقيون من جحورهم وكهوفهم ومساجدهم وقصورهم وسراديبهم وأنفاقهم وباراتهم وخيالاتهم الرخيصة.. ناقمين ومضطربين ومرعوبين من الماضي ومن المستقبل.

ستحدث حرب عظيمة.. لا شيء سوف يتحقق.. وإن تحقق شيء ما.. فلا علاقة لنا به.. ولن يشفع أبدا للمجاعات والفجائع التي ستفتح حواجز الصوت والحزن بينما هي تحلق على ارتفاع منخفض داخل كل مدينة وقرية وبيت.

مثل الموضة.. سيبتكر كل معتل ثورة أبدية خاصة به.. ثم يعايرنا بها.. يحاصرنا.. يذلنا وينتهكنا ويسحبنا باسمها إلى العدم والنسيان والضياع الكامل.

في عام 2016م.. قمت بفتح حساب فيسبوك.

في العالم المتقدم لا أحد في سن الشباب يفتح حساب فيسبوك. أولا.. هم يهتمون بفتح حسابات بنكية وفتح أمور أخرى مهمة.. أو إذا دعت الحاجة.. يفتحون حسابات انستغرام ويوتيوب كي تساعدهم في فتح حسابات بنكية وأمور أخرى مهمة.

فقط العجزة والرضع واليائسون يفتحون حسابات فيسبوك.

البلد يتقدم إلى أعماق الجحيم بخطى ثابتة.. بينما أنا قد تحولت تماما تحولا شديدا.. كنت بني آدم بهيمي أريد ممارسة الحياة بحيوانية وبلا تعقيد.. مثل زنجي غني يعيش في ميامي فوق قارب.

أصبحت عميقا.. وبدأت في خلط خسائر الناس ببعضها ثم قولها على شكل نكتة.. أو أي شكل آخر من أشكال الجدية الشديدة اللهجة.

أتعرف أن السخرية هي أعلى قمم الجدية.. فالواحد حين يستمر في السخرية بمختلف الصور.. سيعني هذا أنه جدي بطريقة لم يسبقه أحد إليها.

مرت الأيام...

يقتل صديق أو صديق مشترك أو عدو أو عدو مشترك.. أقول نكتة..

أصادف نساء يشبهن أمهاتنا وأخواتنا.. لكنهن أصبحن دون عائل أو حماية أو مستقبل أو معنى.. بعضهن يهمن في الحواري باحثات عن بقايا طعام أو بقايا جثة..

أضطرب وجدانيا... وأصمم ثلاث نكات على المقاس..

يختفي منزل بمن فيه... أطلق في الهواء سبع نكات متتالية.

تتشرد ألف طفلة... وتجوع حتى الموت طفلة و50 أخريات... أصاب بنوبة هلع تكفي لإطلاق نكت يمكن أن تفقد جملا مكتئبا وعيه من شدة الضحك.. أو من شدة البكاء.. ما الفرق.

تمر الأيام.. ورهاني الوحيد هو أن ينتهي كل هذا.. تغلق الحروب المفتوحة أبوابها وتبدأ إجازة الحياة التي ننتظرها منذ أن وجدنا.

يعود القتلى لمنازلهم بصحة جيدة.. أو حتى يعودون كجثث.. لم يعد أحد أبداً.

عودة الأمور لمجاريها

كان هذا أملي الوحيد... والصادق..

والذي لم يتحقق.. ولن يتحقق أبدا.. هذه الحرب هي وظيفتنا الأخيرة والتي يجب الحفاظ عليها... بدونها سنصبح عاطلين.. أصبحت أطراف الحرب تخاف الانتصار أكثر من الهزيمة.

الرئيس الراحل...

تخيل.. أن حيلتي الوحيدة.. وأقصد نزوعي للسخرية.. بدأت اليوم تنفد.. أو أنني بت أشعر بانعدام جدوى لا مثيل له.

ولا استطيع العودة للشخص القديم.. المحب الحياة والسفر والنسوان بشكل مبالغ فيه..

أصبحت لا شيء.. فارغا وبلا هوية وأهمية.. وأظل صامتا وشاردا لفترات طويلة.

أعاني بشكل يومي..

وأحاول تذكر وجه اللعين الذي دفعني من الخلف إلى أوساط هذه الحشود.. وهذه الفوضى.. وهذا العزاء المترامي الأطراف والمدة.

الرئيس الراحل..

كنت لفترة بسيطة جدا...

قد أصبحت نرجسيا مثل ما كنت أنت... أتبجح بقدرتي على أنني أستطيع أن أكون ممثل هذا الشعب الذي يجب أن يلعب دوره الرئيسي.. دور البطولة.

لكن.. جاء وقت واكتشفت أننا مختلفان تماما..

فأنا على مشارف الاستسلام الكامل بدون قيد أو شرط.

يوما بعد يوم.. أتجول داخل هذا الرأس وهذا الصدر فلا أرى شيئا.. أبحث عن الله.. أبحث عن جبل أو شعلة لهب.. فلا أجد.. لا أرى.. الظلمة حالكة.

كل الوقت أظل صامتا..

لا أتحرك من مكاني..

لست ممثلا لأحد ولا حتى لنفسي..

بارد وثابت.. مثل بقية الشعب الغلبان باردون وثابتون.

وكأننا خشبة المسرح التي يمر من فوقها كل هؤلاء الممثلين البغاة المستمرين كل ساعة في تقديم مسرحيات جديدة.

*من صفحة الكاتب على (الفيس بوك)